للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَكَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ فَعَلَ بِالْمُلْتَزَمِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ وَهُوَ يَمْشِي وَرَاءَهُ وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. فَهَذَا بَيَانُ تَمَامِ الْحَجِّ.

مُجَاهِدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَعَلَى مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي السُّنَنِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا مَجِيئُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» هَذَا لَفْظُهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ مِنْهُ» وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ عِلَّتَانِ ضَعْفُ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ وَكَوْنُ الرَّاوِي عَنْهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ مَاجَهْ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ وَهُوَ يُدَلِّسُ وَقَدْ عَنْعَنَهُ لِأَنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ قَالَ مَرَّةً ضَعِيفٌ، وَقَالَ مَرَّةً لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ مَرَّةً صَالِحٌ.

وَمَنْ ضَعَّفَهُ فَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ كَقَوْلِ أَبِي زُرْعَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبِي حَاتِمٍ فِيهِ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سَيِّئُ الْحِفْظِ مَا عِلْمنَا فِيهِ مَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ، فَهُوَ حِينَئِذٍ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ، وَإِذَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ صَارَ حَسَنًا، وَلَا شَكَّ فِي مَجِيءِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ فَمُنْتَفِيَةٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَعْرُوفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ فَإِنَّهُ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هَكَذَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إلَخْ، فَقَدْ ثَبَتَ حُسْنُهُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ.

وَفِي فَوَائِدِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الْمُبَارَكِ دَخَلَ زَمْزَمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَشْرَبُهُ لِعَطَشِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وَمَا عَنْ سُوَيْد عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَحْكُومٌ بِانْقِلَابِهِ عَلَى سُوَيْد فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ بَلْ الْمَعْرُوفُ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ. وَهَذِهِ زِيَادَاتٌ عَنْ السَّائِبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اشْرَبُوا مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ ﵁ فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ.

وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ شَرِبُوهُ لِمَقَاصِدَ فَحَصَلَتْ، فَمِنْهُمْ صَاحِبُ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْمُتَقَدِّمُ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ شَرِبَهُ لِلرَّمْيِ فَكَانَ يُصِيبُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ تِسْعَةً، وَشَرِبَهُ الْحَاكِمُ لِحُسْنِ التَّصْنِيفِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ أَحْسَنَ أَهْلِ عَصْرِهِ تَصْنِيفًا. قَالَ شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابُ الدِّينِ الْعَسْقَلَانِيُّ الشَّافِعِيُّ. وَلَا يُحْصَى كَمْ شَرِبَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأُمُورٍ نَالُوهَا، قَالَ: وَأَنَا شَرِبْته فِي بِدَايَةِ طَلَبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ حَالَةَ الذَّهَبِيِّ فِي حِفْظِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ حَجَجْت بَعْدَ مُدَّةٍ تَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَا أَجِد مِنْ نَفْسِي الْمَزِيدَ عَلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ، فَسَأَلْت رُتْبَةً أَعْلَى مِنْهَا وَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ أَنَالَ ذَلِكَ مِنْهُ اهـ.

وَجَمِيعُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْفَصْلُ غَالِبُهُ مِنْ كَلَامِهِ وَقَلِيلٌ مِنْهُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيِّ، وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ يَرْجُو اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرِبَهُ لِلِاسْتِقَامَةِ وَالْوَفَاةِ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ مَعَهَا (قَوْلُهُ هَكَذَا رُوِيَ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرٍو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: «طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: أَتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُهُ». وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>