(فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ)
قَالَ (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ النَّجْشِ) وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ وَقَالَ «لَا تَنَاجَشُوا»
لَمَّا كَانَ دُونَ الْفَاسِدِ أَخَّرَهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ دُونَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بَلْ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَهَذِهِ الْكَرَاهَاتُ كُلُّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْإِثْمِ. وَمُقْتَضَى النَّظَرِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أُصُولِنَا الشِّرَاءُ عَلَى سَوْمِ الْآخَرِ بِشَرْطِهِ، وَالْحَاضِرُ لِلْبَادِي فِي الْقَحْطِ وَالْإِضْرَارِ فَاسِدًا، وَتَلَقِّي الْجَلَبِ إذَا لَبِسَ بَاطِلًا أَوْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّهْيَ مُطْلَقُهُ لِلتَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ.
وَهَذِهِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ سَبَبًا لِلنَّهْيِ تُؤَكِّدُ الْمَنْعَ لَا تَصْرِفُهُ عَنْهُ، فَإِنَّ فِي اعْتِرَاضِ الرَّجُلِ عَلَى سَوْمِ الْآخَرِ بَعْدَ الرُّكُونِ وَطِيبِ نَفْسِ الْبَائِعِ بِالْمُسَمَّى إثَارَةً لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، وَشِرَاءُ مَا جِيءَ بِهِ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ لِيُغَالِيَ عَلَى النَّاسِ ضَرَرٌ عَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَحْرُمُ، وَكَذَا الْبَيْعُ مِنْ الْقَادِمِينَ مَعَ حَاجَةِ الْمُقِيمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ سِعْرَ الْبَلَدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، أَوْ مُنْعَقِدًا وَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَكَوْنُ الْوَصْفِ مُجَاوِرًا أَوْ لَازِمًا لَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَا إذْ الِاصْطِلَاحَاتُ لَا تَنْفِي الْمَعَانِيَ الْحَقِيقَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلْبُطْلَانِ أَوْ الْفَسَادِ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفَسَادِ لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الْعَقْدِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ لِلْمَعْصِيَةِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَيَمْلِكُ الْبَدَلَ مِنْهُ بِالْقَبْضِ، وَتَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ لَيْسَ إلَّا لِوُجُوبِ رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ بِرَفْعِهِ، وَيَجِبُ فِي هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ ذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَنْعُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الظَّنِّيَّةِ سَمَّوْهُ مَكْرُوهًا عَلَى اصْطِلَاحِنَا، وَلَمَّا كَانَ الرُّكْنُ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي ثَابِتًا جَعَلْته فَاسِدًا (قَوْلُهُ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ النَّجْشِ»، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ) بَعْدَمَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا فَإِنَّهُ تَغْرِيرٌ لِلْمُسْلِمِ ظُلْمًا، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا فَزَادَ الْقِيمَةَ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ نَفْعُ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ إذْ كَانَ شِرَاءُ الْغَيْرِ بِالْقِيمَةِ.
(قَالَ ﷺ «لَا تَنَاجَشُوا») فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute