(فَصْلٌ)
(فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَوَقَفَ بِهَا) عَلَى مَا بَيَّنَّا (سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ، فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةً (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَبِتَرْكِ السُّنَّةِ لَا يَجِبُ الْجَابِرُ
(وَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) فَأَوَّلُ وَقْتِ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَنَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذَا بَيَانُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَالَ ﵊ «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ
الْمُنْذِرِيُّ: فَيَكُونُ شُعَيْبٌ وَمُحَمَّدٌ قَدْ طَافَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ اهـ.
وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، وَالْمُرَادُ بِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَدِّ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْأَعْلَى، صَرَّحَ بِتَسْمِيَتِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ بِسَنَدٍ أَجْوَدَ مِنْهُ. وَأَمَّا تَعْيِينُ مَحَلِّ الْمُلْتَزَمِ فَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْهُ ﷺ قَالَ «مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ مُلْتَزَمٌ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغًا، وَلِمِثْلِهِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِهِ، هَذَا وَالْمُلْتَزَمُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا دَعَوْت قَطُّ إلَّا أَجَابَنِي.
وَفِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ هُنَاكَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: فِي الطَّوَافِ، وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ، وَتَحْتَ الْمِيزَابِ، وَفِي الْبَيْتِ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَخَلْفَ الْمَقَامِ، وَعَلَى الصَّفَا، وَعَلَى الْمَرْوَةِ، وَفِي السَّعْيِ، وَفِي عَرَفَاتٍ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ، وَفِي مِنًى، وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ.
وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ، لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَقَدْ قَدَّمْنَا آدَابَهُ فِي الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ فِي الطَّوَافِ فَارْجِعْ إلَيْهَا.
حَاصِلُهُ مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ هِيَ عَوَارِضُ خَارِجَةٌ عَنْ أَصْلِ التَّرْتِيبِ، وَهِيَ تَتْلُو الصُّورَةَ السَّلِيمَةَ، وَهِيَ مَا أَفَادَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ، إلَى أَنْ قَالَ: فَهَذَا بَيَانُ تَمَامِ الْحَجِّ
(قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ وَقَفَ بَعْد الزَّوَالِ») تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقَالَ «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ» إلَخْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ ﷺ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَفِي سَنَدِهِ رَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute