(فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ)
(إذْ كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَقَالَا: لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ قَوْلُهُ ﵊ «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
بَعَثَنَا إلَيْكَ لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِكَ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَا شَاةٌ، قَالَ: فَعَمَدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا فَقَالَا: هَذِهِ شَافِعٌ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا، وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا، قُلْت: فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا فَتَنَاوَلَاهَا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ السَّخْلَ، فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُهُ؟ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا نَأْخُذُهَا، وَلَا نَأْخُذُ الْأَكُولَةَ وَلَا الرَّبِيَّ وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَغَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيَّيْنِ نَأْخُذُ عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ تَرْجِيحُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْجَذَعَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي تَعْيِينِ الثَّنِيِّ.
فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالُوا: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَكَذَا رَجَّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَسْرَارِ، وَأَمَّا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ فَرَجَّحَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةَ الْخَيْلِ جَبْرًا، وَحَدِيثُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» رَوَوْهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ «إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي) لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لِلْفَرَسِ الْمُفْرَدِ لِصَاحِبِهَا فِي قَوْلِنَا فَرَسُهُ وَفَرَسُ زَيْدٍ كَذَا، وَكَذَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْفَرَسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute