وَالْمُخْتَارُ فِي الْقُنُوتِ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ النَّوَافِلِ)
وَأَمَّا الثَّانِي فَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقْنُتُ الْإِمَامُ وَيَسْكُتُ الْمُقْتَدِي، وَهَذَا كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي الْقُنُوتِ يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُقْتَدِي كَالْقِرَاءَةِ وَيَجْهَرُ بِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْنُتُ كَالْإِمَامِ، ثُمَّ هَلْ يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ؟ اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَيُتَابِعُونَهُ إلَى بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ، وَإِذَا دَعَا الْإِمَامُ: يَعْنِي اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يُتَابِعُونَهُ؟ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا وَلَكِنْ يُؤَمِّنُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ شَاءُوا سَكَتُوا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: عِنْدِي يُخْفِي الْإِمَامُ، وَكَذَا الْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ ذِكْرٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَثَنَاءِ الِافْتِتَاحِ.
وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَهُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ، وَنَحْنُ قَدْ أَوْعَدْنَاك مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ ثُبُوتَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ﷺ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِي الْبَدَائِعِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْقَاضِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ كَالْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ اخْتِيَارُ مَنْ اخْتَارَ الْإِخْفَاءَ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ الْفَضْلِ ﵀ الْإِخْفَاءَ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» وَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ فِي مَسْجِدِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلِمَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ فِي الْقُنُوتِ.
[فَرْعٌ]
أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ ثُمَّ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى لَا يُوتِرُ ثَانِيًا لِقَوْلِهِ ﷺ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَلَزِمَهُ تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ ﷺ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ شَفْعُ الْأَوَّلِ لِامْتِنَاعِ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ.
ابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ حَتَّى رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ صَلَّاهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ، وَقَالُوا: الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا لِلْفَتْوَى جَازَ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ ابْتَدَأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute