الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ
التَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ بَيْنَ كَوْنِ الْفَوَاتِ حَالَ الصِّحَّةِ أَوْ بَعْدَمَا فَسَدَ بِالْجِمَاعِ. وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَهَلَّ بِأُخْرَى طَافَ لِلْفَائِتَةِ وَسَعَى وَرَفَضَ الَّتِي أَدْخَلَهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ جَامَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجَّتَيْنِ، وَعَلَيْهِ فِيهَا مَا عَلَى الرَّافِضِ.
وَلَوْ نَوَى بِهَذِهِ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا قَضَاءَ الْفَائِتَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْإِهْلَالِ شَيْءٌ سِوَى الَّتِي هُوَ فِيهَا؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بَعْدَ الْفَوَاتِ بَاقٍ، وَنِيَّةُ إيجَادِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ لَغْوٌ فَيَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَيَقْضِي الْفَائِتَ فَقَطْ، فَلَوْ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ إحْرَامًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَمَلًا عَلَى قَوْلِهِمَا. وَلَوْ أَهَلَّ رَجُلٌ بِحَجَّتَيْنِ فَقَدِمَ مَكَّةَ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِعُمْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرْكِ وَالشُّرُوعِ رَفَضَ إحْدَاهُمَا، وَالتَّحَلُّلُ بِالْعُمْرَةِ إنَّمَا يَجِبُ لِغَيْرِ مَا رَفَضَ وَذَلِكَ وَاحِدَةٌ.
(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)
إدْخَالُ اللَّامِ عَلَى غَيْرِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بَلْ هُوَ مَلْزُومُ الْإِضَافَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ كَوْنَ عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ قَدَّمَ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَيْسَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ، بَلْ فِي أَنَّهُ يَنْجَعِلُ بِالْجَعْلِ أَوَّلًا بَلْ يَلْغُو جَعْلُهُ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهَا) كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لِمَا ذَكَرَ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ ﵄ لَا يَقُولَانِ بِوُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ بَلْ غَيْرِهَا كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَهُمْ كَمَالُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِاسْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ وَصْفًا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِهِ.
وَخَالَفَ فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ وَسَعْيُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَعْيَهُ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَسُوقَةً قَصًّا لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute