للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَابُ الْخُلْعِ)

وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّهِنَّ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَّ جَمِيعًا، قَالَ زُفَرُ: لَا يَكُونُ مُولِيًا مَا لَمْ يَطَأْ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ، لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَقَعُ إذَا وَطِئَ الْكُلَّ، فَقُرْبَانُ الثَّلَاثِ يُمْكِنُهُ بِغَيْرِ حِنْثٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُنَّ بَلْ مِنْ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ قَرِبْت ثَلَاثًا مِنْكُنَّ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ الرَّابِعَةَ. قُلْنَا: قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهُنَّ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ وَطْءُ جَمِيعِهِنَّ لَا يَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ، وَإِذَا وُجِدَ يُضَافُ الْحِنْثُ إلَى وَطْءِ كُلِّهِنَّ لَا إلَى الرَّابِعَةِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مُعَلَّقَةٌ فَلَا تَنْعَقِدُ مَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا. وَلَوْ قَالَ لَهُنَّ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُنَّ جَعَلْنَاهُ مُولِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ.

وَقَالَ زُفَرُ: مُولٍ مِنْ الْأَرْبَعِ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْ إحْدَاهُنَّ بَانَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعَيِّنَهَا، وَعِنْدَهُ بِنَّ كُلُّهُنَّ لِأَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُنَّ وَوَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ سَوَاءٌ. وَلَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا فَكَذَا هَذَا.

قُلْنَا إحْدَاكُنَّ لَا تَعُمُّ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةً، وَلِذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِكُلِّ إحْدَاهُنَّ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَأَمَّا وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَنَكِرَةٌ مَنْفِيَّةٌ فَتَعُمُّ، وَلِذَا صَحَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ وَاحِدَةٌ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، وَلَوْ بَيَّنَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ إحْدَاهُنَّ بِمَجِيءِ الْغَدِ وَبَيَّنَ قَبْلَ الْغَدِ، وَإِذَا بَيَّنَ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُبَانَةُ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَبِينُ الْأُخْرَى، وَكَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَقَالَا: تَبِينُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ مَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَمَّا زَالَتْ مُزَاحَمَةُ الْأُولَى بِالْبَيَانِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى بِالْإِيلَاءِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا.

وَلَهُ أَنَّهُ آلَى مِنْ إحْدَاهُمَا لَا مِنْهُمَا، وَإِحْدَى هُنَا لَيْسَتْ نَكِرَةً حَتَّى تَعُمَّ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ وَتَعَيَّنَتْ فَلَا تَبِينُ الْأُخْرَى. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيَحْنَثُ بِوَطْئِهَا. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِهِ تَعَالَى لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا. وَفِي قَوْلِهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ إيلَاءً بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ آلَى ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ إيلَاؤُهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْفَيْءِ مَعَ بَقَاءِ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَيْءَ، وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهُ ادَّعَى الْفَيْءَ فِي حَالَةٍ لَا يَمْلِكُهُ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.

(بَابُ الْخُلْعِ)

هُوَ لُغَةً: النَّزْعُ خَلَعَ ثَوْبَهُ وَنَعْلَهُ، وَمِنْهُ خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إذَا افْتَدَتْ مِنْهُ بِمَالٍ، وَخَالَعَهَا وَتَخَالَعَا صِيغَ مِنْهَا الْمُفَاعَلَةُ مُلَاحَظَةً لِمُلَابَسَةِ كُلٍّ الْآخَرَ كَالثَّوْبِ، قَالَ تَعَالَى ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ وَفِي الشَّرْعِ: أَخْذُهُ الْمَالِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِ مَعَ الْمَفْهُومِ -

<<  <  ج: ص:  >  >>