للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ الْقَسْمِ

كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَالِانْتِقَالُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يُجْعَلُ كَإِنْشَائِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَهَوَّدَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَمُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بِأَنَّ إنْشَاءَ الْمَجُوسِيَّةِ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فَإِحْدَاثُهَا كَالِارْتِدَادِ. بِخِلَافِ الْيَهُودِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَمَجَّسَتْ وَحْدَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَوْ تَهَوَّدَتْ لَا تَقَعُ فَافْتَرَقَا. الثَّانِي يَجُوزُ نِكَاحُ أَهْلِ مِلَلِ الْكُفْرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَيَتَزَوَّجُ الْيَهُودِيُّ مَجُوسِيَّةً وَنَصْرَانِيَّةً؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ كَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ، ثُمَّ الْوَلَدُ عَلَى دِينِ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمْ.

الثَّالِثُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ وَهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ أَوْ فِي عُقَدٍ فَنِكَاحُ مَنْ يَحِلُّ سَبْقُهُ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ تَأَخَّرَ فَوَقَعَ بِهِ الْجَمْعُ أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بَاطِلٌ.

(بَابُ الْقَسْمِ)

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النِّكَاحِ وَأَقْسَامِهِ بِاعْتِبَارِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْكُفَّارِ وَحُكْمِهِ اللَّازِمِ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ شَرَعَ فِي حُكْمِهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ وَهُوَ الْقَسْمُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدُّدِ الْمَنْكُوحَاتِ وَنَفْسُ النِّكَاحِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا هُوَ غَالِبٌ فِيهِ. وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمَ، وَالْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ وَيُسَمَّى الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ أَيْضًا، وَحَقِيقَتُهُ مُطْلَقًا مُمْتَنِعَةٌ كَمَا أَخْبَرَ حَيْثُ قَالَ ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ بَعْدَ إحْلَالِ الْأَرْبَعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ حِلَّ الْأَرْبَعِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ وَثُبُوتَ الْمَنْعِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ خَوْفِهِ، فَعُلِمَ إيجَابُهُ عِنْدَ تَعَدُّدِهِنَّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» فَلَا يَخُصُّ حَالَةَ تَعَدُّدِهِنَّ؛ وَلِأَنَّهُنَّ رَعِيَّةُ الرَّجُلِ وَكُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَإِنَّهُ فِي أَمْرٍ مُبْهَمٍ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُسْتَطَاعُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، وَكَذَا السُّنَّةُ جَاءَتْ مُجْمَلَةً فِيهِ.

رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ: يَعْنِي الْقَلْبَ» أَيْ زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ، وَمِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ وَالْقُبُلَاتِ وَالتَّسْوِيَةُ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ إجْمَاعًا، وَكَذَا مَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» أَيْ مَفْلُوجٌ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى» فَلَمْ يُبِنْ فِي مَاذَا، وَأَمَّا مَا فِي الْكِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>