للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْعِيٌّ، وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْفَقِيرُ يَنُوبُ عَنْ الْآمِرِ فِي الْقَبْضِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لِيَنُوبَ عَنْهُ.

(بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ)

لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَرْتَبَتَيْهِ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا كِتَابِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ إمَّا تَغْلِيبًا وَإِمَّا ذَهَابًا إلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَإِمَّا إطْلَاقًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ عَنْ ذَلِكَ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَعْقَبَ بَابَ الْمَهْرِ بِفَصْلِ مُهُورِ الْكُفَّارِ تَتْمِيمًا لَبَابِ الْمَهْرِ تَبَعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا تَحَقَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ لِتَظَافُرِ الِاعْتِقَادَيْنِ عَلَى صِحَّتِهِ وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ، فَحَيْثُ وَقَعَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ الْعَامِّ وَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَصِحُّ أَنْكِحَتُهُمْ بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الْعَامِّ إيَّاهُمْ مَعَ مَلْزُومِيَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ لِعَدَمِ بَعْضِ الشُّرُوطِ كَالْوِلَايَةِ وَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَلِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي الْعَقْدِ عِنْدَهُمْ. قَالَ: وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ فَإِذَا عَقَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لَكِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَدَمَ الصِّحَّةِ.

قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا صَادَفَ شُرُوطَ الصِّحَّةِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَمَا لَا فَفَاسِدٌ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ وَقَوْلُهُ «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» وَأَسْلَمَ فَيْرُوزُ عَلَى أُخْتَيْنِ فَقَالَ «اخْتَرْ إحْدَاهُمَا» وَأَسْلَمَ ابْنُ غَيْلَانَ عَلَى عَشْرٍ فَقَالَ لَهُ «أَمْسِكْ أَرْبَعًا» الْحَدِيثَ. وَمِنْ حِينِ ظَهَرَتْ دَعْوَتُهُ وَالنَّاسُ يَتَوَارَدُونَ الْإِسْلَامَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ عَلَى مَا قِيلَ عَنْ سَبْعِينَ أَلْفِ مُسْلِمٍ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ جَدَّدُوا أَنْكِحَتَهُمْ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>