بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ
(لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُمَا) وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ. وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا
(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)
الرَّقِيقُ: الْعَبْدُ، وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْأَرِقَّاءِ وَالْإِسْلَامُ فِيهِمْ غَالِبٌ، فَلِذَا قَدَّمَ بَابَ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ الْأَرِقَّاءِ ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ فَصْلِ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَهْرِ مِنْ تَوَابِعِ مُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَهْرُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَأَرْدَفَهُ تَتِمَّةً لَهُ.
(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) أَيْ لَا يَنْفُذُ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَا نَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ وَلَيْسَ مَذْهَبُهُ.
وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ وَجْهِهِ الْمَذْكُورِ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ شَرْعًا فَقَدْ تَبَيَّنَ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ رَفْعَ شَيْءٍ مَلَكَ وَضْعَهُ وَتُمْنَعُ بِمِلْكِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّفْسِ وَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَهُ شَرْعًا عَلَى نَفْسِهِ وَلِذَا مَلَكَ التَّطَبُّبَ وَلَمْ يَمْلِكْ أَكْلَ السُّمِّ وَإِدْخَالَ الْمُؤْذِي عَلَى الْبَدَنِ. وَالْأَوْجَهُ بَيَانُهَا بِأَنْ مِلْكَهُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ. وَيُجَابُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْعَاهِرُ الزَّانِي.
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ ﷺ قَالَ «إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ» (وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا) أَمَّا فِي الْعَبْدِ فَتَشْتَغِلُ مَالِيَّتُهُ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ، فَالطَّلَاقُ إزَالَةُ عَيْبٍ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. لَا يُقَالُ: يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute