(فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ)
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
الْقَاضِيَ قَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ وَفَسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْقَضَاءِ يَظْهَرُ فَسَادُ الْفَسْخِ.
وَلَوْ أَحَبَّ الْبَائِعُ أَنْ يَأْمَنَ غَائِلَةَ الرَّدِّ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَأَبْرَأهُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ قَائِلًا لَا أَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَظَهَرَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَلَا يَعْمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
قَالُوا: وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ بَائِعِي قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي اشْتَرَاهُ مِنِّي، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مُنَاسَبَةُ هَذَا الْفَصْلِ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْفُضُولِيِّ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ بَائِعَك بَاعَ مِلْكِي بِغَيْرِ أَمْرِي لِغَصْبِهِ أَوْ فُضُولِهِ. وَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ الْمُلْتَمَسَةِ فِيهِ فُضُولُهُ، وَالْفُضُولُ جَمْعُ فَضْلٍ غَلَبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَمَا لَا وِلَايَةَ فِيهِ، فَقَوْلُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْتَ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ) وَصَارَ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَطَلَاقِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي عَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك».
قُلْنَا: الْمُرَادُ الْبَيْعُ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ النَّافِذُ، أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيُسَلِّمَهُ بِحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute