للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ عُنِيَ بِهِ إذَا أَتَيْت مَكَّةَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى الْإِضْمَارَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، وَإِنْ نَوَى إنْ مَرِضْت لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْت مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِ الدَّارِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لِمُقَارَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ.

فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ

تَعَالَى سَبَبًا لِذَلِكَ أَنْ يُعَلَّقَ وُجُودُهُ بِوُجُودِ أَمْرٍ مَعْدُومٍ حَتَّى إذَا وُجِدَ حَكَمَ سُبْحَانَهُ بِوُجُودِ الْمَعْنَى وَهُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَضْعًا شَرْعِيًّا لَا لُزُومًا عَقْلِيًّا، وَالزَّمَانُ وَالْأَفْعَالُ هُمَا الصَّالِحَانِ لِذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ ثُمَّ يُوجَدُ أَوْ قَدْ يُوجَدُ فَتَعَيَّنَا لِتَعْلِيقِ وُجُودِ الطَّلَاقِ بِوُجُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ عَيْنٌ ثَابِتَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِنَاطَةُ بِهِ، وَلَوْ أَنَاطَ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ فَالْمَنَاطُ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ أَوْ فِعْلُ الْفَاعِلِ لَهُ فَكَانَ الصَّالِحُ لِتَعْلِيقِ وُجُودِ الْمَعْنِيِّ بِهِ الزَّمَانُ وَالْأَفْعَالُ، ثُمَّ الزَّمَانُ فِي الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقُ يَكُونُ مُسْتَقْبَلًا.

أَمَّا الْحَالُ فَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَهُ التَّنْجِيزُ وَوُقُوعُ الْمُعَلَّقِ.

وَأَمَّا إضَافَتُهُ إلَى مَاضٍ خَالٍ عَنْهُ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَيَلْغُوَ وَيَصِيرَ أَنْتِ طَالِقٌ سَيَقَعُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الطَّلَاقَ بِرَفْعِ الْقَيْدِ وَلَمْ نَقُلْ هُوَ فِعْلٌ مَعْدُومٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ وَيُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى فِعْلِ الْفَاعِلِ لَهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَثَرِهِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعَلُّقُ خِطَابِهِ بِالْحُرْمَةِ عِنْدَهُ، وَهَذَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا، فَجَعَلْنَا الْمُعَلَّقَ رَفْعَ الْقَيْدِ لَا فِعْلَ التَّطْلِيقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ مَكَّةَ تَعَلُّقٌ بِالْفِعْلِ) أَيْ بِالدُّخُولِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالشَّرْطِ لِصِحَّةِ اسْتِعَارَةِ الظَّرْفِ لِأَدَاةِ الشَّرْطِ لِمُقَارَبَةٍ بَيْنَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَظْرُوفَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الظَّرْفِ كَالْمَشْرُوطِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْنَاهُ: أَعْنِي الظَّرْفَ، وَكَذَا إذَا قَالَ: فِي لُبْسِك أَوْ فِي ذَهَابِك، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ صَلَاحِيَّةِ الْفِعْلِ لِذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَا يَقُومُ بِهَا فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ.

(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)

ذَكَرَ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فُصُولًا مُتَعَدِّدَةً بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ الْإِيقَاعِ: أَيْ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ إلَى مُضَافٍ وَمَوْصُوفٍ وَمُشَبَّهٍ وَغَيْرِهِ مُعَلَّقٍ بِمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ تَحْتَ ذَلِكَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى بَابًا

<<  <  ج: ص:  >  >>