فَصْلٌ
(وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ) لِقَوْلِهِ ﷺ فِي الْمَمَالِيكِ «إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ
ذَوِي الْأَرْحَامِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي زَكَاةِ الْجَامِعِ أَنَّ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَسِوَى نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ: مَحْمَلُهُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ مَا إذَا أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانُوا حَتَّى احْتَاجُوا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِينُوا بَلْ أَكَلُوا مِنْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا، وَإِلَى هَذَا مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَصَرُوهُ وَقَيَّدُوا إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ بِهِ، وَقِيلَ: مَحْمَلُهُ مَا إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ بِأَنْ تَكُونَ شَهْرًا فَأَقَلَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ، قِيلَ إلَّا الشَّعْبِيُّ، الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ وَالْمُودِعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَا عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ، وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا كَانَ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِيهَا: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ أَمَةٌ أَنَّ هَذِهِ حُرَّةٌ قَبِلَ الْقَاضِي هَذِهِ الشَّهَادَةَ ادَّعَتْ الْأَمَةُ أَوْ جَحَدَتْ، وَيَضَعُهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَتُفْرَضُ نَفَقَةُ الْأَمَةِ إنْ طَلَبَتْ عَلَى الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ اهـ.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ لِغَيْرِهِ هَذَا عَبْدُك أَوْدَعْته عِنْدِي فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ مَا أَوْدَعَهُ ثُمَّ يَقْضِي بِنَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرِقِّهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَيَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ ﷺ قَالَ «هُمْ إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَزَادَ فِيهِ «وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute