فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ
[فُرُوعٌ]
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ: شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ.
وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ فَقَالَتْ: اخْتَرْت جَمِيعَ ذَلِكَ وَقَعَتْ الْأُولَيَانِ بِلَا شَيْءٍ وَالثَّالِثَةُ بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا الْمَقْرُونَةُ بِالْبَدَلِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالشُّرُوطِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي اخْتِيَارَةً أَوْ وَاحِدَةً أَوْ بِوَاحِدَةٍ.
وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى، وَبِأَلْفٍ إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأَخِيرَةَ.
. وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ اسْمٌ لِلْوَاحِدَةِ فَلَا يَكُونُ جَوَابًا عَنْ الْكُلِّ بَلْ الْبَعْضِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُسْأَلُ الْمَرْأَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَتْ: عَنَيْت الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ وَقَعَتَا بِلَا شَيْءٍ أَوْ الثَّالِثَةَ بَانَتْ بِأَلْفٍ.
وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي وَاخْتَارِي وَاخْتَارِي بِالْعَطْفِ بِأَلْفٍ فَالْأَلْفُ مُقَابَلٌ بِالثَّلَاثِ لِلْعَطْفِ، فَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَوْ وَقَعَتْ وَقَعَتْ بِثُلُثِ الْبَدَلِ وَلَمْ يَرْضَهُ. وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ أَوْ الثَّالِثَةَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ بِأَلْفٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ مَا شِئْت فَلَهَا اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا غَيْرُ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَعِنْدَهُمَا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لِلْبَيَانِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.
(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)
قَدَّمَ التَّخْيِيرَ لِتَأَيُّدِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمِنْ عَدَمِ مِلْكِ الزَّوْجِ الرُّجُوعَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ سِوَى نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ هَاهُنَا لَا فِي التَّخْيِيرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ بِلَفْظِ أَمْرُك بِيَدِك لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ، وَصِحَّتُهُ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَكَذَا صِحَّةُ التَّفْوِيضِ بِلَفْظِ اخْتَارِي نَفْسَك لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَطْلِيقَهَا فَلَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ التَّفْوِيضُ مِنْهُ، وَلَفْظُ اخْتَارِي نَفْسَك يُفِيدُهُ، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَتَّجِهُ تَقْدِيمُ التَّفْوِيضِ بِلَفْظِ اخْتَارِي لِتَأَيُّدِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃ نَصًّا، بِخِلَافِهِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خِلَافُ أَحَدٍ لَمْ يَقَعْ بِهِ ذَلِكَ النَّقْلُ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا افْتَرَقَ الْبَابَانِ فِي الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْإِيقَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute