(فَصْلٌ فِي التَّنْفِيلِ)
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَيُحَرِّضَ بِهِ عَلَى الْقِتَالِ فَيَقُولَ " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَيَقُولَ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا رَفَعَ الْخُمُسَ لِأَنَّ التَّحْرِيضَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِ مِنْ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ إذَا دَخَلَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ حَيْثُ أَذِنَ لَهُمْ، كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرَ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ لَهُمْ مَنَعَةٌ كَالْأَرْبَعَةِ أَوْ الْعَشَرَةِ إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَحَامِيًا عَنْ تَوْهِينِ الْمُسْلِمِينَ وَالدِّينِ فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ نُصْرَةِ الْإِمَامِ مُتَلَصِّصِينَ، وَكَانَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا غَنِيمَةً، وَخَذَلَهُ خِذْلَانًا إذَا تَرَكَ نَصْرَهُ وَأَسْلَمَهُ.
نَوْعٌ مِنْ الْقِسْمَةِ فَأَلْحَقَهُ بِهَا، وَقَدَّمَ تِلْكَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهَا بِضَابِطٍ وَهَذَا بِلَا ضَابِطٍ لِأَنَّهُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِأَنْ يُنَفِّلَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا وَنَحْوَهُمَا.
وَالتَّنْفِيلُ إعْطَاءُ الْإِمَامِ الْفَارِسَ فَوْقَ سَهْمِهِ، وَهُوَ مِنْ النَّفْلِ وَهُوَ الزَّائِدُ، وَمِنْهُ النَّافِلَةُ لِلزَّائِدِ عَلَى الْفَرْضِ، وَيُقَالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَيُقَالُ نَفَّلَهُ تَنْفِيلًا وَنَفَلَهُ بِالتَّخْفِيفِ نَفْلًا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَفِّلَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ تَحْرِيضٌ، وَالتَّحْرِيضُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَبِهِ يَتَأَكَّدُ مَا سَلَف بِأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَفْظٌ لَا بَأْسَ إنَّمَا يُقَالُ لِمَا تَرَكَهُ أَوْلَى لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْرِيضَ وَاجِبٌ لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّنْفِيلِ لِيَكُونَ التَّنْفِيلُ وَاجِبًا بَلْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ أَحَدَ خِصَالِ التَّحْرِيضِ كَانَ التَّنْفِيلُ وَاجِبًا مُخَيَّرًا، ثُمَّ إذَا كَانَ هُوَ أَدْعَى الْخِصَالِ إلَى الْمَقْصُودِ يَكُونُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَسْقُطُ بِهِ أَوْلَى وَهُوَ الْمَنْدُوبُ فَصَارَ الْمَنْدُوبُ اخْتِيَارَ الْإِسْقَاطِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَا هُوَ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ.
وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي التَّنْفِيلِ تَرْجِيحُ الْبَعْضِ وَتَوْهِينُ الْآخَرِينَ وَتَوْهِينُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا حَرَّمَ التَّنْفِيلَ لِاسْتِلْزَامِهِ مُحَرَّمًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَالَ الْقِتَالِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِسَلْبِ الْمَقْتُولِ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا» فَإِنَّمَا كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَرْبِ فِي حُنَيْنٍ (قَوْلُهُ فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) أَوْ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ (أَوْ يَقُولُ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ) النِّصْفَ أَوْ (الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) أَيْ بَعْدَ رَفْعِ الْخُمُسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute