بَابُ الشَّهِيدِ
(الشَّهِيدُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ، أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا
أَقَارِبُهُ ثُمَّ دُفِنَ حَوَالَيْهِمْ خَلْقٌ مِنْ وَطْءِ تِلْكَ الْقُبُورِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ، بَلْ أَوْلَى وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ فِي السُّنَّةِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إلَّا زِيَارَتَهَا وَالدُّعَاءَ عِنْدَهَا قَائِمًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ﷺ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ وَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ».
وَاخْتُلِفَ فِي إجْلَاسِ الْقَارِئِينَ لِيَقْرَءُوا عِنْدَ الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ مَاتَتْ وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا شَيْءٌ وَكَانَ رَأْيُهُمْ أَنَّهُ وَلَدٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا، فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ابْتَلَعَ الرَّجُلُ دُرَّةً فَمَاتَ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهُ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إبْطَالَ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ الْحَيِّ فَيَجُوزُ.
أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إبْطَالُ حُرْمَةِ الْأَعْلَى وَهُوَ الْآدَمِيُّ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ الْأَدْنَى وَهُوَ الْمَالُ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى انْتَهَى. وَتَوْضِيحُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهُ حَيًّا لَوْ ابْتَلَعَهَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْفَضَلَاتِ فَكَذَا مَيِّتًا، بِخِلَافِ شَقِّ بَطْنِهَا لِإِخْرَاجِ الْوَلَدِ إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ. وَفِي الِاخْتِيَارِ جُعِلَ عَدَمُ شِقِّ بَطْنِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ. ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى الْجُرْجَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُشَقُّ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الظَّالِمِ الْمُتَعَدِّي انْتَهَى. وَهَذَا أَوْلَى. وَالْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِرَامَ يَزُولُ بِتَعَدِّيهِ. وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ لِلْمُصِيبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَيُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَتُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَفْتِنَّ لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ عَزَّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ ﷺ «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» وَقَوْلُهُ ﷺ «مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ. وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ ﷺ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ، وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِأَنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الشَّهِيدِ)
وَجْهُ فَضْلِهِ، وَتَأْخِيرُهُ ظَاهِرٌ، وَسُمِّيَ شَهِيدًا إمَّا لِشُهُودِ الْمَلَائِكَةِ إكْرَامًا لَهُ، أَوْ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَلِشُهُودِهِ أَيْ حُضُورِهِ حَيًّا يُرْزَقُ عِنْدَ رَبِّهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَصِحُّ (قَوْلُهُ الشَّهِيدُ إلَخْ) هَذَا تَعْرِيفٌ لِلشَّهِيدِ الْمَلْزُومِ لِلْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute