للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا)

(وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ بِخَيْبَرَ

بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا)

لَمَّا ذَكَرَ قِتَالَ الْكُفَّارِ وَذَكَرَ مَا يَنْتَهِي بِهِ مِنْ الْمُوَادَعَةِ ذَكَرَ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ غَالِبًا وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى النُّفُوسِ وَتَوَابِعِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ غَالِبًا لِاسْتِقْرَاءِ تَأْيِيدِ اللَّهِ تَعَالَى جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ وَنُصْرَتَهُمْ فِي الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً) يَجُوزُ فِي الْوَاوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا حَاصَرَ الْإِمَامُ، وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَنْوَةَ بِالْقَهْرِ، وَهُوَ ضِدُّهَا لِأَنَّهَا مِنْ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً إذَا ذَلَّ وَخَضَعَ، وَمِنْهُ ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فَتَحَ بَلْدَةً حَالَ كَوْنِ أَهْلِهَا ذَوِي عَنْوَةٍ: أَيْ ذُلٍّ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَهْرَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَفِيهِ وَضْعُ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الْحَالِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَرَّدٍ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ فِي غَيْرِ التَّعَارِيفِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارَاتِ عَلَى أَنْ يُرَادَ مَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا الْمَجَازِيِّ، لَكِنْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ كَكَثِيرِ الرَّمَادِ، وَلَوْ أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْجُودِ كَانَ مَجَازًا مِنْ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ.

وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ اُشْتُهِرَ، فَإِنَّ عَنْوَةً اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْقَهْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ نَفْسِهِ تَعْرِيفًا، وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهُ) أَيْ الْبَلَدَ (بَيْنَ الْغَانِمِينَ) مَعَ رُءُوسِ أَهْلِهَا اسْتِرْقَاقًا وَأَمْوَالِهِمْ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ لِجِهَاتِهِ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَقَسَّمَ مَا سِوَاهُمْ مِنْ الْأَرَاضِيِ وَالْأَمْوَالِ وَالذَّرَارِيِّ، وَيَضَعُ عَلَى الْأَرَاضِي الْمَقْسُومَةِ الْعُشْرَ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى الرُّءُوسِ وَالْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمَاءِ الَّذِي يَسْقِي بِهِ أَهُوَ مَاءُ الْعُشْرِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعُيُونِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْآبَارِ أَوْ مَاءُ الْخَرَاجِ كَالْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ.

وَأَمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِهِمْ فَقَطْ فَمَكْرُوهٌ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَالِ مَا يَتَمَكَّنُونَ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى الْأَرَاضِي إلَى أَنْ تُخْرِجَ الْغِلَالَ، وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ. وَأَمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ مَعَ الْمَالِ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ بِرِقَابِهِمْ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ بِرَدِّهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>