قَالَ (وَلَا يُنْقَضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَنَا)؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُعَرَّى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ.
(وَإِذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ) مَعْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ، وَكَذَا فِي حُكْمِ مَا حَمَلَهُ مِنْ مَالِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ.
(فَصْلٌ)
(وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ)؛ لِأَنَّ عُمَرَ ﵁ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ) لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الصَّدَقَةِ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُتَمَرِّدًا عَلَيْهِمْ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (عَلَى مَوْضِعِ) قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ (فَيُحَارِبُونَنَا؛ لِأَنَّهُمْ) بِكُلٍّ مِنْ الْخُصْلَتَيْنِ (صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا) وَعَقْدُ الذِّمَّةِ مَا كَانَ إلَّا لِدَفْعِ شَرِّ حِرَابَتِهِمْ (فَيَعْرَى عَنْ الْفَائِدَةِ) فَلَا يَبْقَى.
(وَإِذَا اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، مَعْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ) وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ، وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَّفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. (وَكَذَا فِي حُكْمِ مَا حَمَلَهُ مِنْ مَالِهِ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ النَّقْضِ، وَلَوْ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ يَكُونُ فَيْئًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُرْتَدِّ إذَا الْتَحَقَ بِمَالٍ؛ وَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَالْوَرَثَةُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مَجَّانًا وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ حِينَ أَخَذَهُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ فَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ انْتِقَالُهُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَغْلِبُوا فِيهِ كَانْتِقَالِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْإِسْلَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ (بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ) إذَا لَحِقَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَأُسِرَ لَا يُسْتَرَقُّ بَلْ يُقْتَلُ إذَا لَمْ يُسْلِمْ، وَكَذَا يَجُوزُ وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إذَا عَادَ بَعْدَ نَقْضِهِ وَقَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ الْتَزَمَ بِالذِّمَّةِ الْإِسْلَامَ بَلْ أَحْكَامَهُ فَجَازَ أَنْ يَعُودَ إلَى الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعُدْ وَلَمْ يَقْبَلْهَا حَتَّى أُخِذَ بَعْدَ الظُّهُورِ فَقَدْ اُسْتُرِقَّ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. .
(فَصْلٌ). أَفْرَدَ أَحْكَامَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ بِفَصْلٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ النَّصَارَى، وَتَغْلِبُ بْنُ وَائِلٍ مِنْ الْعَرَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute