الْمُضَاعَفَةِ، وَالصَّدَقَةُ تَجِبُ عَلَيْهِنَّ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ. وَقَالَ زُفَرُ ﵀ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسْوَانِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِهِ الصُّلْحُ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِزْيَةِ؛
مِنْ رَبِيعَةَ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ زَمَنُ عُمَرَ دَعَاهُمْ عُمَرُ ﵁ إلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الصَّدَقَةَ فَقَالَ: لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ صَدَقَةً فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْك عَدُوُّك بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ عُمَرُ ﵁ فِي طَلَبِهِمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ، فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْفُقَهَاءُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ بِسَنَدِهِ إلَى دَاوُد بْنِ كَرْدُوسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ ﵁: إنَّ بَنِي تَغْلِبَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ ﵁ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَيُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِي الصَّدَقَةِ، وَعَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْجِزْيَةَ مِنْ رُءُوسِهِمْ. فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً لَهُمْ شَاتَانِ، وَلَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَعَلَى هَذَا فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ هِيَ جِزْيَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، فَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَاشِيَةٌ وَنُقُودٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْيَسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، فَإِذَا صَالَحُوهُمْ عَلَى مَالٍ جُعِلَ وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمُسْتَحَقِّ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عُمَرَ ﵁ هَذِهِ جِزْيَةٌ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ وَإِنْ كَانَ جِزْيَةً فِي الْمَعْنَى فَهُوَ وَاجِبٌ بِشَرَائِط الزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا إذْ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْجِزْيَةِ مِنْ وَصْفِ الصَّغَارِ فَيُقْبَلُ مِنْ النَّائِبِ وَيُعْطَى جَالِسًا إنْ شَاءَ وَلَا يُؤْخَذُ بِتَلْبِيبِهِ (وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْجِزْيَةَ) وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ أَهْلِ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ بِالصُّلْحِ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِعَدَمِ وُجُودِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ أَرْضِهِمْ فَيُؤْخَذُ خَرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ عِبَادَةً لِتَخُصَّ الْبَالِغِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute