أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهَا (وَيُوضَعُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ الْخَرَاجُ) أَيْ الْجِزْيَةُ (وَخَرَاجُ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ) وَقَالَ زُفَرُ: يُضَاعَفُ لِقَوْلِهِ ﵊ «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ»؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ.
وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَخْفِيفٌ وَالْمَوْلَى لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ، وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ الْمَوْلَى بِالْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهِ،
كَنَفَقَةِ عَبِيدِهِمْ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرْنَا يُفِيدُ أَنَّهُ رُوعِيَ فِي هَذَا الْمَأْخُوذِ جِهَةُ الْجِزْيَةِ فِي الْمَصْرِفِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ رُوعِيَ جِهَةُ الزَّكَاةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْجِزْيَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ لَا يُغَيَّرُ، وَهَذِهِ الْجِزْيَةُ الَّتِي وَجَبَتْ بِالصُّلْحِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْجِزْيَةَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يَجِبُ بِالصُّلْحِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ كَيْفَمَا وَقَعَ، وَاَلَّذِي يُرَاعَى فِيهِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ وَكَمِّيَّتُهُ هُوَ الْجِزْيَةُ الَّتِي يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ وَضْعَهَا شَاءُوا أَوْ أَبَوْا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ وَيُوضَعُ عَلَى الْمَوْلَى التَّغْلِبِيِّ) أَيْ مُعْتِقِهِ (الْخَرَاجُ: أَيْ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ، وَقَالَ زُفَرُ: يُضَاعَفُ) عَلَيْهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالتَّغْلِبِيِّ نَفْسِهِ (لِقَوْلِهِ ﵊ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ») وَهَذَا الْحَدِيثُ اسْتَدْلَلْنَا بِهِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى حِرْمَانِ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ الزَّكَاةَ، فَكَذَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى التَّضْعِيفِ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ، وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. (وَلَنَا أَنَّ هَذَا) أَيْ وَضْعَ الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ (تَخْفِيفٌ) إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ بِرَغْبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَاشْتِشْقَاقِهِمْ مَا سِوَاهُ (وَالْمَوْلَى لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ) أَيْ فِي التَّخْفِيفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ، وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ مَوْلًى نَصْرَانِيٌّ وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِالْإِسْلَامِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِوَصْفِ التَّغْلِبِيَّةِ أَوْلَى (بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَاتِ) عَلَى الْهَاشِمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ (وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ بِهِ) وَيُنْقَضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute