(قَالَ وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَرِقَةُ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ.
بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ
يَقُولَ سَرَقَ مَالِي وَأَنَا مَوْلَاهُ أَوْ جَدُّهُ، وَإِنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ، وَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي عَرَفَ الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ قَطَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَالَهُمْ حُبِسَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يُعَدَّلُوا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ، وَالتَّوَثُّقُ بِالتَّكْفِيلِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ لَا كَفَالَةَ فِي الْحُدُودِ وَهُنَا نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ بِنَفْسِهِ جَائِزٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُجْبَرُ، وَلَمْ يَقَعْ تَفْصِيلٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ: أَعْنِي حَبْسَهُ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يُزَكَّوْا، وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِتُهْمَةِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَا التَّعْزِيرَ بِسَبَبِ أَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفَسَادِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْفِيلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ حَبْسِهِ بِسَبَبِ مَا لَزِمَهُ مِنْ التُّهْمَةِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى: مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، بِخِلَافِ مَنْ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَيَشْتَرِي وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ وَيُؤَدَّبُ ثُمَّ يُخْرَجُ.
وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ: لِصٌّ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ وَجَدَهُ رَجُلٌ يَذْهَبُ فِي حَاجَةٍ لَهُ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِالسَّرِقَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَتُوبَ لِأَنَّ الْحَبْسَ زَجْرًا لِلتُّهْمَةِ مَشْرُوعٌ، وَإِذَا عَدَلَ الشَّاهِدَانِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ لَمْ يَقْطَعْهُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَا، وَكَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ، وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا هَكَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِنْ أَصَابَ أَقَلَّ لَا يُقْطَعُ) وَمَعْلُومٌ تَقْيِيدُ قَطْعِهِمْ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا صَبِيٌّ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يُقْطَعُونَ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ أَحَدُهُمْ نِصَابًا بَعْدَ كَوْنِ تَمَامِ الْمَسْرُوقِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لِدُخُولِهِمْ تَحْتَ النَّصِّ.
قُلْنَا: الْقَطْعُ لِكُلِّ سَارِقٍ بِسَرِقَتِهِ نِصَابًا وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ: يَعْنِي أَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ جِنَايَةُ السَّرِقَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ حَتَّى يَكُونَ مَا سَرَقَهُ نِصَابًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
(بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ)
مَا يُقْطَعُ فِيهِ هُوَ الْمَسْرُوقُ، وَهُوَ مُتَعَلَّقُ السَّرِقَةِ إذْ هُوَ مَحَلُّهَا: فَهُوَ ثَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ فَلِذَا أَخَّرَهُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute