(بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ)
(وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊
عَلَى شِرْكِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ طَلَبَ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُسَيِّرَهُ شَهْرَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: سَيَّرْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ عَرَضَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى حُنَيْنٍ فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَغَصْبًا؟ قَالَ: لَا بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً، فَبَعَثَهَا ثُمَّ اسْتَحْمَلَهُ إيَّاهَا فَحَمَلَهَا عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ».
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ: «فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﵊ أَنْ يَضْمَنَهَا، فَقَالَ: لَا أَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ أَرْغَبُ». وَهَذَا لَا يُطَابِقُ نَفْسَ الْمُدَّعِي وَهُوَ تَكْلِيفُ الْإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يُعِينُوا الْخَارِجِينَ، وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ إلَّا بِالِالْتِزَامِ، فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ فِي الْمُتَكَلِّمِ فِيهِ لَا يَأْخُذُهُ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
نَعَمْ فِيهِ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ يَتَوَسَّلُ إلَى الْجِهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ لَهُمْ.
وَأَمَّا مَا عَنْ عُمَرَ فَظَاهِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يُغْزِيهِ عَنْهُ لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْجِهَازَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ غَازٍ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ يُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ فَصَرِيحٌ فِيهِ.
وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْزِي عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَمْرُ الْفَرَسِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَغْزِي الْعَزَبَ وَيَأْخُذُ فَرَسَ الْمُقِيمِ فَيُعْطِيهِ الْمُسَافِرَ.
لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْقِتَالَ لَازِمٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَفَعَلَهُ عَلَى حَدٍّ مَحْدُودٍ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ فَشَرَعَ فِيهِ فَقَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ عَطْفَ جُمْلَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ وَاوَ اسْتِئْنَافٍ (فَحَاصَرُوا مَدِينَةً) وَهِيَ الْبَلْدَةُ الْكَبِيرَةُ فَعَيْلَةٌ مِنْ مَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ (أَوْ حِصْنًا) وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُحْصَنُ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَا فِي جَوْفِهِ (دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute