مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ (فَإِنْ أَجَابُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَقَدْ قَالَ ﷺ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ.
- ﷺ أَمَرَ بِذَلِكَ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَأَلْفَاظُ بَعْضِهِمْ تَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ وَتَخْتَلِفُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا وَلَا تَغْلُوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى إحْدَى خِصَالٍ ثَلَاثٍ أَوْ خِلَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَعْلِمْهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك وَذِمَّةَ أَصْحَابِك فَإِنَّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَإِذَا أَهْلُ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَصَبْتَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا، ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ بَعْدُ مَا شِئْتُمْ»
وَفِي الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ كَثْرَةٌ.
وَفِي نَفْسِ هَذَا الْحُكْمِ شُهْرَةٌ وَإِجْمَاعٌ، وَلِأَنَّ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا مَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيِ عِيَالِهِمْ فَرُبَّمَا يُجِيبُونَ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِعْلَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلَوْ قَاتَلُوهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمُوا، وَلَكِنْ لَا غَرَامَةَ بِمَا أَتْلَفُوا مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ مِنْ دِيَةٍ وَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حُرْمَةِ الْقَتْلِ لَا تُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَتَلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ.
وَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَالْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
وَفِي الْمُحِيطِ: بُلُوغُ الدَّعْوَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ اسْتَفَاضَ شَرْقًا وَغَرْبًا أَنَّهُمْ إلَى مَاذَا يَدْعُونَ وَعَلَى مَاذَا يُقَاتِلُونَ فَأُقِيمَ ظُهُورُهَا مَقَامَهَا انْتَهَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَجِبُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهِ ظَنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَإِذَا كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ لَا تَجِبُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ.
أَمَّا عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَوْفٍ: كَتَبْت إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَكَتَبَ إلَيَّ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ «قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ».
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ عَهِدَ إلَيْهِ فَقَالَ: أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا وَحَرِّقْ» وَالْغَارَّةُ لَا يَكُونُ مَعَ دَعْوَةٍ. وَأُبْنَى بِوَزْنِ حُبْلَى مَوْضِعٌ مِنْ فَلَسْطِينَ بَيْنَ عَسْقَلَانَ وَالرَّمْلَةِ، وَيُقَالُ يُبْنَى بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ آخِرَ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ. وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute