الْإِكْرَامِ وَالصِّيَانَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ: يَضَعُهَا السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ، وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ، لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ﵁ هَكَذَا حُمِلَتْ. قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ.
(فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ)
(قَوْلُهُ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ هَكَذَا حُمِلَتْ) رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «أَنَّهُ ﵊ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ بَيْتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الدَّارِ» قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَالدَّارُ تَكُونُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ انْتَهَى. إلَّا أَنَّ الْآثَارَ فِي الْبَابِ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: " تُوُفِّيَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَشَهِدْنَاهُ، فَلَمَّا خُرِّجَ سَرِيرُهُ مِنْ حُجْرَتِهِ إذَا حَسَنُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ﵁ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ لِيَقِفَ مَكَانَهُ فَأَبَى، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ أَلَا خَرَجْت فَخَرَجَ، وَجَاءَ الْحَجَّاجُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وُضِعَ وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ، ثُمَّ جَاءَ إلَى الْقَبْرِ فَنَزَلَ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ فِي قَبْرِهِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ لَيَدْخُلَ مَكَانَهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ فَخَرَجَ، فَدَخَلَ الْحَجَّاجُ الْحُفْرَةَ حَتَّى فَرَغَ ". وَأَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ: تُوُفِّيَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَحَمَلَهُ عُمَرُ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ حَتَّى وَضَعَهُ بِالْبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَحْمِلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَائِمًا بَيْنَ قَائِمَتَيْ السَّرِيرِ.
وَمِنْ طَرِيقِهِ عَنْ شُرَيْحٍ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ. قُلْنَا: هَذِهِ مَوْقُوفَاتٌ وَالْمَرْفُوعُ مِنْهَا ضَعِيفٌ، ثُمَّ هِيَ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ فَاحْتَمَلَ كَوْنُ ذَلِكَ فَعَلُوهُ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ أَوْ لِعَارِضٍ اقْتَضَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ.
وَالْحَقُّ أَنْ نَقُولَ: لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى حَمْلِ الِاثْنَيْنِ لِجَوَازِ حَمْلِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُهُمْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِأَنْ يَحْمِلَ الْمُؤَخَّرُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ يَسَارِ الْمَيِّتِ وَالْمُقَدَّمُ عَلَى الْأَيْسَرِ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِ الْمَيِّتِ فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّ بَعْضَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُمْ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ رُوِيَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ.
رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ قَالَ: " رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَحَمَلَ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ".
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْمِهْزَمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ فَقَدْ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ. ثُمَّ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خِلَافَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ. رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَنْ اتَّبَعَ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ " وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَحَدَّثَنَا الْمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بِهِ قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ حَمْلُ الْجِنَازَةِ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ».
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِهِ وَلَفْظُهُ: «مَنْ اتَّبَعَ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ ثُمَّ إنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ» فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَأَنَّ خِلَافَهُ إنْ تَحَقَّقَ مِنْ بَعْضِ السَّلَفِ فَلِعَارِضٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُنَاظِرِ تَعْيِينُهُ، وَقَدْ يَشَاءُ فَيُبْدِي مُحْتَمَلَاتٍ مُنَاسَبَةً يُجَوِّزُهَا