للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ)

فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى عُلُوًّا وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ يَصِحُّ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعُلُوُّ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ صَحَّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْبُيُوعِ الْمَاضِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ سَاحَةِ الْعُلُوِّ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِمُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، وَالْمَبِيعُ الْبِنَاءُ لَا السَّاحَةُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَوَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يُشْكِلُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَفِيهَا صِفَةٌ فِيهَا بَيْتٌ وَبَابُهُ فِي الصِّفَةِ وَمَسِيلُ مَاءِ ظَهَرَ الْبَيْتِ عَلَى ظَهْرِ الصِّفَةِ فَاقْتَسَمَا فَأَصَابَ الصِّفَةَ أَحَدُهُمَا وَقِطْعَةً مِنْ السَّاحَةِ لَمْ يَذْكُرُوا طَرِيقًا وَلَا مَسِيلًا وَصَاحِبُ الْبَيْتِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ السَّاحَةِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَسِيلَ مَاءَهُ فِي ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ، فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْتُمْ فِي الْإِجَارَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْحُقُوقُ تَحَرِّيًا لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ كَمَا أَدْخَلْتُمُوهَا تَحَرِّيًا لِجَوَازِ الْإِجَارَةِ.

أُجِيبُ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَوْضِعَ الشُّرْبِ لَيْسَ مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ الْإِجَارَةُ، وَإِنَّمَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ، وَالْآجِرُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ فَفِي إدْخَالِ الشُّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمَا هَذَا بِالْأُجْرَةِ وَهَذَا بِالِانْتِفَاعِ، أَمَّا هُنَا فَمَوْضِعُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُمَا كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ، فَمُوجِبُ الْقِسْمَةِ اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَصِيبُهُ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا لِأَحَدِهِمَا حَقًّا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَضَرَّرَ بِهِ الْآخَرُ، وَلَا يَجُوزُ الْإِضْرَارُ دُونَ رِضَاهُ، وَإِنَّمَا دَلِيلُ الرِّضَا اشْتِرَاطُ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ الْحُقُوقُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ إحْدَاثُ طَرِيقٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَتَسْيِيلُ مَائِهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ، وَفِي الْقِسْمَةِ إذَا ذُكِرَ الْحُقُوقُ وَأَمْكَنَهُ الطَّرِيقُ وَالتَّسْيِيلُ فِيمَا أَصَابَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَتَطَرَّقُ وَيَسِيلُ فِيمَا أَصَابَهُ فَطُولِبَ بِالْفَرْقِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ إيجَادُ الْمِلْكِ مِنْ الْعَدَمِ لِقَصْدِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ ذَلِكَ فَمَا شَرَطَهُ يَتِمُّ مُطْلَقًا.

وَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ بِحَيْثُ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، إذْ لَوْ لَمْ يُرْدِ ذَلِكَ الْخُصُوصَ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ فَلَا يَدْخُلَانِ إلَّا بِرِضًا صَرِيحٍ وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذِكْرُ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ.

(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>