للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ، فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ. فَإِنْ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالثَّانِي ضَامِنٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ، أَمَّا إذَا أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ. وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ. لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ

سِنِينَ مَعَ الْحَاضِرَيْنِ ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ فَاقْتَسَمُوا وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ هَذَا الرَّابِعُ حَتَّى خَسِرَ الْمَالَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ، فَأَرَادَ الْغَائِبُ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَعَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رِضًا بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ السُّكُوتِ الثَّابِتِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ.

(فَصْلٌ)

لَمَّا كَانَتْ أَحْكَامُ هَذَا الْفَصْلِ بَعِيدَةً عَنْ الشَّرِكَةِ إذْ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ وَالِاسْتِرْبَاحِ أَفْرَدَهَا بِفَصْلٍ وَأَخَّرَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَذِنَ كُلٌّ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ فَحَالَ فَأَدَّى) وَقَدْ أَدَّى الْآذِنُ الْمَالِكَ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ مَا أَدَّاهُ (عَلِمَ بِالْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَدَائِهِ، هَكَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ.

وَنَقَلَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْمَالِكِ، وَنَصَّ فِي زِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ لِيُكَفِّرَ عَنْهُ فَكَفَّرَ الْآمِرُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ كَفَّرَ الْمَأْمُورُ (وَعَلَى هَذَا الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ) وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ، فَإِنْ أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلٌّ نَصِيبَ الْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَزِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ وَعَلَّلَ فِيمَا نَقَلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ زَكَاةَ كُلٍّ مِنْهُمَا تَقَعُ بِمَا أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَدَاؤُهُ بِنَفْسِهِ يُوجِبُ عَزْلَ الْوَكِيلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمٍ أَنَّ أَدَاءَهُ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ وَهُوَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ فِيهِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي خِلَافِيَّةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ أَدَّاهُ بِالْأَمْرِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْأَمْرِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَدَاءِ مَا هُوَ زَكَاةٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ وُسْعِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ زَكَاةً يَتَعَلَّقُ بِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>