مُتَصَوَّرًا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبًا لِخُلْفِهِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِحُكْمِ الْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً. كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ.
(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ)
مُطْلَقًا كَمَا هِيَ فِي الْكِتَابِ. أَمَّا إذَا وَقَّتَ فَقَالَ لَأَصْعَدَن غَدًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى بِمُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حَنِثَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً كَمَاءِ الْكُوزِ فَلَا تَنْعَقِدُ. وَلَنَا أَنَّ صُعُودَ السَّمَاءِ مُمْكِنٌ وَلِذَا صَعِدَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَبَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَذَا تَحْوِيلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحْوِيلِ اللَّهِ بِخَلْعِهِ صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ وَإِلْبَاسِ صِفَةِ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ.
وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ، وَلَعَلَّهُ مِنْ إثْبَاتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَانَ لَا الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِخُلْفِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً فَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ كَمَا قُلْنَا مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ مَعَهُ احْتِمَالُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَحُكِمَ بِالْحِنْثِ إجْمَاعًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ الَّذِي لَا مَاءَ فِيهِ لَا يُمْكِنُ وَلَا تَتَعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِهِ فَلِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ. فَمَحَطُّ الْخِلَافِ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظٍ مُتَصَوَّرٍ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقَّلًا مُتَفَهَّمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَهَمُّ مِنْ الْكَلَامِ كَالْأَكْلِ وَالسُّكْنَى وَتَوَابِعِهِمَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيصَالِ مَا فِي نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ لِتَحْصِيلِ مَقَاصِدِهِ. وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ الْأَعَمِّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute