للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرْطٌ أَنْ يُوقِظَهُ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَنَبَّهْ كَانَ إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ.

الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا لِتَقَدُّمِ الْأَعَمِّ عَلَى الْخُصُوصِيَّاتِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ) لِقُرْبِ مَكَانِهِ مِنْهُ (إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ: أَيْ لِغَفْلَتِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوُصُولِ صَوْتِهِ إلَى صِمَاخِهِ غَيْرُ ثَابِتٍ فَأُدِيرَ عَلَى مَظِنَّةِ ذَلِكَ فَحُكِمَ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مُصْغَيَا سَالِمًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَصَمَّ حَنِثَ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرْطٌ أَنْ يُوقِظَهُ، فَإِنَّهُ فِي بَعْضِهَا فَنَادَاهُ أَوْ أَيْقَظَهُ، وَفِي بَعْضِهَا فَنَادَاهُ وَأَيْقَظَهُ.

قَالَ: وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُنَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ بِكَلَامِهِ صَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُمَيِّزَ حُرُوفَهُ، وَفِي ذَلِكَ يَكُونُ لَاغِيًا لَا مُتَكَلِّمًا مُنَادِيًا، وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَيِّتًا لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ، بِخِلَافِ الْأَصَمِّ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ كَلَّمَهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْلَا الصَّمَمُ سَمِعَ، لَا يُقَالُ: يَصِحُّ مِثْلُ هَذَا فِي الْمَيِّتِ. لِأَنَّا نَقُولُ: يَمِينُهُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى الْحَيِّ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ هُوَ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ إظْهَارُ الْمُقَاطَعَةِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَالْبَعِيدِ الَّذِي لَا شُعُورَ لَهُ بِنِدَائِهِ وَكَلَامِهِ، لَكِنَّ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا نَادَى الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْحَرْبِ بِالْأَمَانِ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ لِشُغْلِهِمْ بِالْحَرْبِ فَهُوَ أَمَانٌ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَيْمَانِ الْحِنْثُ وَإِنْ لَمْ يُوقِظْهُ انْتَهَى.

وَقَدْ فَرَّقَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْأَمَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ. وَقِيلَ يُحْكَمُ فِيهَا بِالْخِلَافِ، فَعِنْدَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يَجْعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ، وَالْمُرَادُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا مَرَّ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى مَاءٍ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِبْعَادِ لِلْمَشَايِخِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا حَقِيقَةً وَإِلَى جَانِبِهِ حَفِيرَةُ مَاءٍ لَا يَعْلَمُ بِهَا لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ فَكَيْف بِالنَّائِمِ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّاعِسِ، وَأُضِيفَ إلَى هَذِهِ مَسَائِلُ تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ جُعِلَ فِيهَا النَّائِمُ كَالْمُسْتَيْقِظِ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٌ عَنْهَا لَا مُتَّصِلٌ، فَلَوْ قَالَ مَوْصُولًا إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ قُومِي أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَهَا مُتَّصِلًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ اذْهَبِي لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ.

وَأَمَّا مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ أَوْ غَدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>