(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)
(قَالَ: إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ) لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ لَا يُعَزَّرُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ. وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ.
فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي التَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارُ وَقَدْ انْزَجَرَ بِدَاعِي اللَّهِ تَعَالَى. وَجَوَابُهُمَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالتَّسْخِيمِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ: يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ، إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقِدْرِ، وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ. وَفِي الْمُغْنِي: وَلَا يُسَحَّمُ وَجْهُهُ بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ
لَمَّا كَانَ هَذَا إيجَابَ رَفْعِ الشَّهَادَةِ وَمَا تَقَدَّمَ إيجَابَ إثْبَاتِهَا فَكَانَا مُتَوَازِيَيْنِ فَتَرْجَمَ هَذَا بِالْكِتَابِ كَمَا تَرْجَمَ ذَاكَ لِلْمُوَازَاةِ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِهَذَا أَبْوَابٌ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِ مَسَائِلِهِ لِيَكُونَ كِتَابًا كَمَا لِذَلِكَ وَلِتَحَقُّقِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، إذْ لَا رَفْعَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ نَاسَبَ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ بَعْدَهُ وَخُصُوصَ مُنَاسَبَتِهِ لِشَهَادَةِ الزُّورِ هُوَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِتَقَدُّمِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً (قَوْلُهُ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ الشَّهَادَةِ سَقَطَتْ) عَنْ الِاعْتِبَارِ فَلَا يُقْضَى بِهَا لِأَنَّ كَلَامَهُمْ تَنَاقَضَ حَيْثُ قَالُوا نَشْهَدُ بِكَذَا لَا نَشْهَدُ بِهِ وَلَا يُقْضَى بِالْمُتَنَاقِضِ، وَلِأَنَّهُ أَيْ كَلَامَهُ الَّذِي نَاقَضَ لَهُ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي احْتِمَالِهِ الصِّدْقَ كَالْأَوَّلِ، فَلَيْسَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَوَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا.
قَالُوا: وَيُعَزِّرُ الشُّهُودَ سَوَاءً رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ، أَوْ التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ، وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute