للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (فَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ) لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِمْ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالتَّنَاقُضِ وَلِأَنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ) لِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ)

حَدٌّ مُقَدَّرٌ (قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُتْلِفُوا شَيْئًا عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حُكِمَ إلَخْ) إذَا رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَهُ لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ، وَلَا الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ الثَّانِي فَتَعَارَضَا، وَلَا تَرْجِيحَ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَحَدِ الْكَلَامَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِأَحَدِهِمَا، وَبَعْدَهُ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِهِ وَقَعَ فِي حَالٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ فَلَا يُنْقَضُ الْأَقْوَى بِالْأَدْنَى، لَكِنَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانَ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانُوا مُتْلِفِينَ بِسَبَبِ لُزُومِ حُكْمِ شَهَادَتِهِمْ: أَعْنِي اتِّصَالَ الْقَضَاءِ الَّذِي لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَبِالرُّجُوعِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ بِهِ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ تَسَبُّبَهُمْ فِي ذَلِكَ الْإِتْلَافِ كَانَ تَعَدِّيًا لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ، وَالتَّسَبُّبُ فِي الْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا سَبَبٌ لِلضَّمَانِ.

وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ: يَنْظُرُ إلَى حَالِ الشُّهُودِ، إنْ كَانَ حَالُهُمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِمْ وَقْتَ الْأَدَاءِ فِي الْعَدَالَةِ صَحَّ رُجُوعُهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِمْ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَيُعَزَّرُونَ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ كَحَالِهِمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ دُونَهُ يُعَزَّرُونَ، وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّاهِدِ.

وَهَذَا قَوْلُ أُسْتَاذِهِ حَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) سَوَاءً كَانَ هُوَ الْقَاضِيَ الْمَشْهُودَ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>