فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ
(لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ. فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ) لِمَا رَوَيْنَا
إلَيْهَا فَيَبْلُغُ نِصَابًا وَجَبَ فِيهَا لِأَنَّ عَيْنَ النَّقْدَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَلَا الْقِيمَةُ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُصْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ هَلَكَتْ فِيهِ، إذْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا لَا حَالًا وَلَا مَآلًا فَبَقِيَ الْعِبْرَةُ لِلْغِشِّ. وَهِيَ عُرُوضٌ يُشْتَرَطُ فِي الْوُجُوبِ فِيهَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ.
وَإِذَا اسْتَوَى الْغِشُّ فِيهِمَا قِيلَ تَجِبُ فِيهِ احْتِيَاطًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَقِيلَ يَجِبُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ. كَذَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ تَجِبُ فِي الْكُلِّ الزَّكَاةُ. فَفِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَأَنَّهَا كُلَّهَا فِضَّةٌ. أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ بِالِاحْتِيَاطِ، وَقَوْلُ النَّفْيِ مَعْنَاهُ لَا تَجِبُ كَذَلِكَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَخْلُصَ وَعِنْدَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فَيَخُصُّهُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ. وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ. فَحِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ غَيْرُ وَاقِعٍ.
وَالذَّهَبُ الْمَخْلُوطُ بِالْفِضَّةِ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابًا فَفِيهِ زَكَاةُ الذَّهَبِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَهَا فَزَكَاةُ الْفِضَّةِ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْفِضَّةِ، أَمَّا إنْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً فَهُوَ كُلُّهُ ذَهَبٌ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً. كَذَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ)
(قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي حَدِيثَ مُعَاذٍ الْمُتَقَدِّمَ فِي صَدَقَةِ الْفِضَّةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي الذَّهَبِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ ﵊ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ وَمِنْ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا». وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ شَيْءٌ، وَفِي الْمِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَفِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفُ مِثْقَالٍ» وَفِيهِ الْعَزْرَمِيُّ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي فَصْلِ الْإِبِلِ قَوْلُهُ ﵊ «وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ» وَهُوَ حَدِيثٌ لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute