للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

(وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ) لِقَوْلِهِ «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» وَلِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَهُمَا عَدِيمَا الْعَقْلِ

وَكَذَا الْوَاحِدَةُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ.

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ) وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ (وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمُ) وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ، قِيلَ هُوَ الْقَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَقِيلَ الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ إلَّا نَادِرًا وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُحْكَمُ بِالْعَتَهِ عَلَى أَحَدٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمَا قِيلَ مَنْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ غَالِبًا مَعْنَاهُ يَكْثُرُ مِنْهُ.

وَقِيلَ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ وَالْمَجْنُونُ بِلَا قَصْدٍ، وَالْعَاقِلُ خِلَافُهُمَا وَقَدْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ أَحْيَانًا. وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَدْهُوشُ كَذَلِكَ، وَهَذَا (لِقَوْلِهِ «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ») وَاَلَّذِي فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» وَضَعَّفَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ هُنَا النَّفَاذُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ. لَكِنْ مَعْلُومٌ مِنْ كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَنْفُذُ إلَّا مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَأَدَرْنَاهَا بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ خُصُوصًا مَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ خُصُوصًا مَا لَا يَحِلُّ إلَّا لِانْتِفَاءِ مَصْلَحَةِ ضِدِّهِ الْقَائِمِ كَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي تَمَامَ الْعَقْلِ لِيُحْكِمَ بِهِ التَّمْيِيزَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَكْفِ عَقْلُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الِاعْتِدَالَ، بِخِلَافِ مَا هُوَ حَسَنٌ لِذَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ السُّقُوطَ وَهُوَ الْإِيمَانُ حَتَّى صَحَّ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَلَوْ فُرِضَ لِبَعْضِ الصِّبْيَانِ الْمُرَاهِقِينَ عَقْلٌ جَيِّدٌ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ صَارَ الْبُلُوغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>