للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّائِمُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ.

(وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ وَبِهِ يُعْتَبَرُ التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ، بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ. وَلَنَا أَنَّهُ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَنْكُوحَتِهِ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ قَضِيَّتِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ اعْتِبَارًا بِالطَّائِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ وَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَهَذَا آيَةُ الْقَصْدِ

لِانْضِبَاطِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، وَكَوْنُ الْبَعْضِ لَهُ ذَلِكَ لَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَظَانِّ الْكُلِّيَّةِ؛ وَبِهَذَا يَبْعُدُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ : جَوَازُ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَمُرَادُهُ الْعَاقِلُ، وَمِثْلُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ النُّقُولِ.

(قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا خُلْعُهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِقَوْلِهِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»؛ وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ الَّذِي بِهِ يُعْتَبَرُ التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ اخْتِيَارًا كَامِلًا فِي السَّبَبِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا فِي نَفْيِ الْحُكْمِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ «حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَأَبِيهِ حِينَ حَلَّفَهُمَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ لَهُمَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْيَمِينَ طَوْعًا وَكَرْهًا سَوَاءٌ، فَعُلِمَ أَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ عَنْ اخْتِيَارٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مَعَ الرِّضَا وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالْإِكْرَاهِ. وَحَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>