للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاخْتِيَارُ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِهِ كَالْهَازِلِ.

(وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ بِالْعَقْلِ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ.

وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْحُكْمِ الَّذِي يَعُمُّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا وَأَحْكَامَ الْآخِرَةِ بَلْ إمَّا حُكْمُ الدُّنْيَا وَإِمَّا حُكْمُ الْآخِرَةِ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ الْآخَرُ مَعَهُ وَإِلَّا عُمِّمَ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو الطَّائِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُبْغِضُ زَوْجَهَا فَوَجَدَتْهُ نَائِمًا، فَأَخَذَتْ شَفْرَةً وَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ حَرَّكَتْهُ وَقَالَتْ لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا وَإِلَّا ذَبَحْتُكَ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ مُبْهَمَاتٌ مُقْفَلَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ رَدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالصَّدَقَةُ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الْقَائِلُ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُزِيلُ الْخِطَابَ فِيمَا أُكْرِهَ فِيهِ حَتَّى يُبَاحَ مَرَّةً وَيُفْتَرَضَ وَيَحْرُمَ أُخْرَى فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ وَحُرْمَتِهِ بَلْ فِي تَرَتُّبِ حُكْمِ مَا حَلَّ أَوْ وَجَبَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ تَلَفُّظًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ التَّلَفُّظِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ تَرَتُّبُ حُكْمِهِ إذَا كَانَ مِمَّا يَضُرُّهُ فَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ وَجَمِيعُ مَا يَثْبُتُ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَحْكَامُهُ عَشَرَةُ تَصَرُّفَاتٍ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ، وَالظِّهَارُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ، وَجَمَعْتهَا لِيَسْهُلَ حِفْظُهَا فِي قَوْلِي:

يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةٌ … نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقِي

وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ … وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابَ عَنْهُ مَفَارِقِي

وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ.

(قَوْلُهُ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) وَكَذَا عَتَاقُهُ وَخُلْعُهُ، وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي. وَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ: يَعْنِي الْمُكْرَهَ وَالسَّكْرَانَ فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ أَوْ ذَكَرَ كِنَايَةً مِنْ الْكِنَايَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>