للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ الظِّهَارِ

لِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا، قَالَ تَعَالَى ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ وَقَالَ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ» وَالْحَكَمَانِ إنَّمَا بُعِثَا لِلصُّلْحِ، وَلِيَعْلَمَا ظُلْمَ الظَّالِمِ مِنْهُمَا فَيُنْكِرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ أَعْلَمَا الْحَاكِمَ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ، فَالْحَكَمَانِ شَاهِدَانِ فِي حَالٍ وَمُصْلِحَانِ فِي حَالِ إذَا فُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِمَا.

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُمَا يُفَرِّقَانِ وَيَخْلَعَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ شَاهِدًا فِي ذَلِكَ.

(بَابُ الظِّهَارِ) مُنَاسَبَتُهُ بِالْخُلْعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ عَنْ النُّشُوزِ ظَاهِرًا، وَقَدَّمَ الْخُلْعَ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي بَابِ التَّحْرِيمِ إذْ هُوَ تَحْرِيمٌ بِقَطْعِ النِّكَاحِ وَهَذَا مَعَ بَقَائِهِ.

وَالظِّهَارُ لُغَةً مَصْدَرُ ظَاهَرَ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الظَّهْرِ فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ تَرْجِعُ إلَى الظَّهْرِ مَعْنًى وَلَفْظًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ، فَيُقَالُ ظَاهَرْت: أَيْ قَابَلْت ظَهْرَك بِظَهْرِهِ حَقِيقَةً، وَإِذَا غَايَظْتَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُدَابِرْهُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَقْتَضِي هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ، وَظَاهَرْته إذَا نَصَرْته بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقَالُ قَوَّى ظَهْرَهُ إذَا نَصَرَهُ، وَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَأَظْهَرَ وَتَظَاهَرَ وَاظَّاهَرَ وَظَهَّرَ وَتَظَهَّرَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَظَاهَرَ بَيْنَ ثَوْبَيْنِ إذَا لَبِسَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِ مَا يَلِي بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ظَهْرًا لِلثَّوْبِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ لَفْظِ الظَّهْرِ فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّرَاكِيبِ مَجَازًا، وَكَوْنُهُ مَجَازًا لَا يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ مِنْهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَقُّ مَجَازًا أَيْضًا، وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِمَنْ مَعَ أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّبْعِيدِ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا وَهُوَ مُبْعَدٌ ثُمَّ قِيلَ: الظَّهْرُ هُنَا مَجَازٌ عَنْ الْبَطْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْكَبُ الْبَطْنَ فَكَظَهْرِ أُمِّي: أَيْ كَبَطْنِهَا بِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ وَلِأَنَّهُ عَمُودُهُ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا هُوَ الصَّارِفُ عَنْ الْحَقِيقَةِ مِنْ النِّكَاتِ. وَقِيلَ خَصَّ الظَّهْرَ لِأَنَّ إتْيَانَ الْمَرْأَةِ مِنْ ظَهْرِهَا كَانَ حَرَامًا، فَإِتْيَانُ أُمِّهِ مِنْ ظَهْرِهَا أَحَرَمُ فَكَثُرَ التَّغْلِيظُ. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا شَائِعٍ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ، وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ الِاتِّفَاقَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ، وَفُلَانَةُ أُمُّ مَنْ زَنَى بِهَا أَوْ بِنْتُهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، وَسَنَذْكُرُ مَا هُوَ التَّحْقِيقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعُضْوِ الظَّهْرَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِاسْمِ الظِّهَارِ تَغْلِيبًا لِلظَّهْرِ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَصْلَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ وَشَرْطُهُ فِي الْمَرْأَةِ كَوْنُهَا زَوْجَةً، وَفِي الرَّجُلِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَرُكْنُهُ لِلَّفْظِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذَلِكَ التَّشْبِيهِ، وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيه إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا فَقَالَ فِي الْمَنَافِعِ: تَجِبُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَبِيرَةٌ فَلَا يَصِحُّ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ الْمُغَلَّبُ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>