للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلَى الْقَائِمِ لَهَا إذْ ذَاكَ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يُصَحِّحُ هَذَا لِلْجَهَالَةِ، وَهَذَا عِنْدَنَا عُمُومٌ لَا إجْمَالٌ.

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا عَلَى أَلْفٍ أُخْرَى ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا لَمْ يَبْرَأْ الزَّوْجُ إلَّا مِنْ الثَّانِي دُونَ الْمَهْرِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِامْرَأَتِهِ فِي خَلْعِهَا فَخَلَعَهَا عَلَى أَلْفٍ فَأَنْكَرَتْ التَّوْكِيلَ، فَإِنْ كَانَ ضَمِنَ الْمَالَ لِلزَّوْجِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّهَا وَكَّلَتْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْخُلْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ بَاعَ مِنْهُ تَطْلِيقَةً بِأَلْفٍ قَالَ الصَّفَّارُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ضَمِنَ لَهُ الْمَهْرَ أَوْ لَا لِأَنَّ لَفْظَةَ الشِّرَاءِ لَفَظَّةُ الضَّمَانِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافِ: هَذَا وَالْخُلْعُ سَوَاءٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ الرِّسَالَةَ عَنْ امْرَأَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ فِي أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يُمْسِكَهَا فَقَالَ الزَّوْجُ لَا أُمْسِكُهَا بَلْ أُطَلِّقُهَا فَقَالَ الرَّسُولُ أَبْرَأْتُك مِنْ جَمِيعِ مَا لَهَا عَلَيْك فَطَلَّقَهَا فَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الْإِبْرَاءَ وَالرَّسُولُ يَدَّعِيهِ.

فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ رِسَالَتَهَا أَوْ وَكَالَتَهَا إيَّاهُ لِذَلِكَ وَقَعَ وَهِيَ عَلَى حَقِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ فَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ حَقِّهَا عَلَيْك عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا فَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْمَهْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَهِيَ عَلَى حَقِّهَا، وَهَذِهِ فِي أَمْرِ الْحَكَمَيْنِ لَمَّا كَانَ سَبَبَ الْخُلْعِ الْمُشَاقَّةُ وَجَبَ ذِكْرُ أَمْرِ الْحَكَمَيْنِ فِيهِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ ضَمِيرُ يُرِيدَا لِلْحَكَمَيْنِ وَضَمِيرُ بَيْنِهِمَا لِلزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ لِلْحَكَمَيْنِ أَيْضًا، وَقِيلَ الضَّمِيرَانِ لِلزَّوْجَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْحَكَمَانِ مِنْ أَهْلِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَخْبَرُ بِبَاطِنِ أَمْرِهِمَا وَأَشْفَقُ عَلَيْهِمَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِيهِمَا إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْ أَهْلِيهِمَا مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. وَقُلْنَا: الْمَعْنَى الْمَفْهُومُ الَّذِي قُلْنَاهُ صَارِفٌ عَنْ تَعْيِينِ كَوْنِ الْمُرَادِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَوْلُ الْحَكَمَيْنِ نَافِذٌ فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ بِتَوْكِيلِهِمَا عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: قَوْلُهُمَا فِي ذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. قُلْنَا: لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُطَلِّقَ وَلَا يُبْرِئَ مِنْ مَالِهِمَا فَكَيْفَ يَفْعَلُ ذَلِكَ نَائِبُهُ. وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلرَّازِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يَعِظُهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا، فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا. فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَظْلَمُ رَدَّهُ إلَى السُّلْطَانِ فَأَخَذَ فَوْقَ يَدِهِ كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالْفَصْلَ بَيْنَهُمَا.

وَلَوْ ادَّعَى النُّشُوزَ وَادَّعَتْ هِيَ ظُلْمَهُ وَتَقْصِيرَهُ فِي حَقِّهَا يَفْعَلُ الْحَاكِمُ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَجْمَعَا وَلَا أَنْ يُفَرِّقَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا، وَمَا زَعَمَ إسْمَاعِيلُ الْمَالِكِيُّ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَعْرِفُوا أَمْرَ الْحَكَمَيْنِ إخْبَارٌ بِالنَّفْيِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَالْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ حِفْظُ اللِّسَانِ، وَمَا قَالَ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يُسَمَّى حَكَمًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْوَكَالَةُ تُؤَكِّدُ مَعْنَى الْحُكْمِيَّةِ لِقَبُولِ قَوْلِهِمَا عَلَيْهِمَا وَالْحَكَمَانِ يَمْضِيَانِ أَمْرَ الزَّوْجَيْنِ، فَإِذَا قَصَدَا الْحَقَّ وَفَّقَهُمَا اللَّهُ ﷿ لِلصَّوَابِ إذْ هُمَا مُوَكَّلَانِ لِلْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ فَعَلَيْهِمَا الِاجْتِهَادُ وَطَلَبُ الْخَيْرِ لَهُمَا، وَكُلُّ مَا وَرَدَّ عَنْ السَّلَفِ أَنَّ فِعْلَ الْحَكَمَيْنِ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِضَاهُمَا إذْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمَا أَنْ يُطَلِّقَا امْرَأَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا أَنْ يَدْفَعَا مَالًا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ قَضَاءِ دَيْنِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>