بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
السَّفَرُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا
(فُرُوعٌ)
إذَا تَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ سَجَدَ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ «أَنَّهُ تَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ» وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي أَدَائِهَا أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيَصُفَّ السَّامِعُونَ خَلْفَهُ، وَلَيْسَ هَذَا اقْتِدَاءً حَقِيقَةً بَلْ صُورَةً، وَلِذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْبِقُوهُ بِالْوَضْعِ وَلَا بِالرَّفْعِ، فَلَوْ كَانَ حَقِيقَةَ ائْتِمَامٍ لَوَجَبَ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ سَجْدَةُ التَّالِي بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبَاقِينَ، إذَا تَلَا رَاكِبًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ أَجْزَأَهُ الْإِيمَاءُ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ، وَلَوْ نَزَلَ الرَّاكِبُ فَسَجَدَ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، فَلَوْ نَزَلَ فَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَكِبَ فَأَوْمَأَ لَهَا جَازَ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ هُوَ يَقُولُ لَمَّا نَزَلَ وَجَبَ أَدَاؤُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ. قُلْنَا: لَوْ أَدَّاهَا قَبْلَ نُزُولِهِ جَازَ فَكَذَا بَعْدَمَا نَزَلَ وَرَكِبَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهَا بِالْإِيمَاءِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ وَجَبَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَيُشْتَرَطُ لِلسَّجْدَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ سِوَى التَّحْرِيمَةِ مِنْ النِّيَّةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالسَّتْرِ، وَيُجْزِي إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَإِذَا تَلَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ لَا يُجْزِيهِ السُّجُودُ فِي مَكْرُوهٍ، أَوْ فِي مَكْرُوهٍ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى جَاءَ وَقْتٌ آخَرُ مَكْرُوهٌ فَسَجَدَ لَهَا فِيهِ، قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقَدَّمْنَاهَا فِي فَصْلِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَيُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا. وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِتَمَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ حَصَلَ الْوَضْعُ قَبْلَ هَذِهِ الْعَوَارِضِ وَبِهِ يَتِمُّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِالْقَهْقَهَةِ اتِّفَاقًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الطَّهَارَةِ.
(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)
السَّفَرُ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ إلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَاكَ وَالسَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَلَيْسَ كُلُّ قَطْعٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ جَوَازِ الْإِفْطَارِ وَقَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ وَمَسْحِ ثَلَاثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute