فَصْل فِي الْكَفَّارَة
قُلْنَا الْكَفَّارَةُ لِوَضْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِهِنَّ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ذِكْرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَرَّرَ الظِّهَارُ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ حَيْثُ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ إلَّا إنْ نَوَى بِمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ الْأَوَّلَ تَأْكِيدًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً فِيهِمَا لَا كَمَا قِيلَ فِي الْمَجْلِسِ لَا الْمَجَالِسِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَوْرَدَ: لَمَّا ثَبَتَ بِالظِّهَارِ الْأَوَّلِ حُرْمَةٌ مُوَقَّتَةٌ فَكَيْفَ تَتَكَرَّرُ الْحُرْمَةُ بِتَكْرَارِ الظِّهَارِ وَمَا هُوَ إلَّا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. أُجِيبَ بِالْأَوَّلِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُوَقَّتَةُ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْحِلِّ فَيَصِحُّ الظِّهَارُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَلَا مُنَافَاةَ فِي اجْتِمَاعِ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ كَالْخَمْرِ حَرَامٌ عَلَى الصَّائِمِ لِعَيْنِهَا وَلِصَوْمِهِ وَلِيَمِينِهِ، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنْ يُثْبِتَ بِكُلِّ سَبَبٍ حُرْمَةً كَمَا الْتَزَمَ فِي أَسْبَابِ الْحَدَثِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَاتِ.
[فُرُوعٌ] لَا يَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَالْإِيلَاءِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْبَرَامِكَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لَنَا وَ ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ﴾ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنَّا، وَإِلْحَاقُهُ بِالْقِيَاسِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ جِنَايَةٌ حُكْمُهَا تَحْرِيمٌ يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ، وَشِرْكُ الْكَافِرِ يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ عَنْهُ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ حَتَّى اُشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فَيَبْقَى تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَهُوَ غَيْرُ حُكْمِهِ بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا عَلَى رَأْيِكُمْ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِلْكِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِلْغَاءِ قَيْدِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ النَّصِّ فَيَكُونُ خِلَافَ الْكَفَّارَةِ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لِيَكُونَ كَإِلْغَائِهِ فِي ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ وَمَا أُجِيبَ مِنْ أَنَّهَا عِبَادَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ عُقُوبَةٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ اتِّفَاقًا فَلَزِمَ كَوْنُهَا عِبَادَةً. وَمَا دَفَعَ بِهِ مِنْ أَنَّ افْتِقَارَهَا إلَيْهَا كَافْتِقَارِ الْكِنَايَاتِ إلَيْهَا وَلَيْسَتْ عِبَادَةً مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ بِلَا جَامِعٍ، لِأَنَّ افْتِقَارَ الْكِنَايَاتِ إلَيْهَا لِيَتَعَيَّنَ بِهِ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ وَهُوَ الطَّلَاقُ عَنْ غَيْرِهِ، وَافْتِقَارُ الْكَفَّارَةِ لِتَقَعَ عِبَادَةً وَإِلَّا فَلِمَاذَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ أَجَازَ إيلَاءَ الْكَافِرِ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ أَمْرَانِ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِتَقْدِيرِ الْبَرِّ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ حُرْمَةَ الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَيَصُونُونَهُ فَيَنْعَقِدُ مِنْهُمْ نَظَرًا إلَى ذَلِكَ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِتَقْدِيرِ الْحِنْثِ، فَلَوْ فُرِضَ مِنْهُمْ الْحِنْثُ بِالْوَطْءِ انْتَفَى حُكْمُ الْبَرِّ وَتَعَذَّرَ التَّكْفِيرُ
وَلَوْ ظَاهَرَ وَاسْتَثْنَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ كَفَّرَ إنْ كَفَّرَ فِي يَوْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ظَاهَرَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا صَحَّ تَقْيِيدُهُ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى مَا سَلَفَ. وَيَصِحُّ بِشَرْطِ النِّكَاحِ، فَإِذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي رَجَبَ وَرَمَضَانَ وَكَفَّرَ فِي رَجَبَ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا، وَلَوْ ظَاهَرَ فَجُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى حُكْمِ الظِّهَارِ وَلَا يَكُونُ عَائِدًا بِالْإِفَاقَةِ خِلَافًا لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ.
(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute