بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا فَلَا إمْكَانَ
بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ
مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِأَمْرَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا وَذَلِكَ مَا يَسْلَمُ لَهُ فِيهِ دِينُهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةُ عَنْ تَعْيِينِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى الْمِلْكَ فِي هَذَا الشَّيْءِ وَلَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا، فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِهِ قَضَاءٌ بِالْيَدِ لَيْسَ غَيْرُ لِتَزَاحُمِ الْأَسْبَابِ: أَيْ تَعَدُّدِهَا فَلَا يُمْكِنُ الْقَاضِيَ تَعْيِينُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ إذْ لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ بِخُصُوصِهِ، بِخِلَافِ مَا عُيِّنَ السَّبَبُ فِيهِ وَوَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى تَعْيِينِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)
أُولَى الشَّرَائِطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا غَالِبًا الشَّرْطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُ الْوَلِيِّ. وَالْوَلِيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ.
الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ: وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ. وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ: بِالْقَرَابَةِ، وَالْمِلْكِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْإِمَامَةِ. وَافْتَتَحَ الْبَابَ بِالْوِلَايَةِ الْمَنْدُوبَةِ نَفْيًا لِوُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ لِاشْتِهَارِ الْوُجُوبِ فِي بَعْضِ الدِّيَارِ وَكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَاخْتِلَافِهَا.
وَحَاصِلُ مَا عَنْ عُلَمَائِنَا ﵏ فِي ذَلِكَ سَبْعُ رِوَايَاتٍ: رِوَايَتَانِ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ عَقْدَ نِكَاحِهَا وَنِكَاحَ غَيْرِهَا مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ إنْ عَقَدَتْ مَعَ كُفْءٍ جَازَ وَمَعَ غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَاخْتِيرَتْ لِلْفَتْوَى لِمَا ذُكِرَ أَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يُرْفَعُ وَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يَتْرُكُ أَنَفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْسِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَانَ مَنْعُهُ دَفْعًا لَهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَحْيَاءٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَقَرَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا، أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute