(فَصْلٌ)
(وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ
بَاعَهُ إلَّا نِصْفَهُ كَانَ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا الْبَيْعُ عَلَى نِصْفِ الْمَأْمُورِ خَاصَّةً، وَمَبْنَاهُ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِهِ وَالْوَكِيلُ بِبَيْعِ نِصْفِهِ يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ.
وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا إلَّا نِصْفَهُ بِأَلْفٍ كَانَ بَائِعًا لِلنِّصْفِ بِأَلْفٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ كَانَ بَائِعًا لِلنِّصْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك نِصْفَهُ بِأَلْفٍ، فَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ فَحَاصِلُهُ ضَمَّ نَفْسَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا بَاعَهُ مِنْهُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا تَصِحُّ كَمَا فِي شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ الْمُضَارِبِ فَكَانَ كَالْمُشْتَرِي هُوَ مَالَ نَفْسِهِ مَعَ الْمُشْتَرِي فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فَيَسْقُطُ نِصْفُهُ عَنْهُ فَيَبْقَى نِصْفُ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
(مَسْأَلَةٌ)
اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهُ الْآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ بَاعَاهُ مُسَاوَمَةً بِثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَتَيْنِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ بَاعَاهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ مِائَةٍ أَوْ بِالْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ يُقَابِلُ الْمِلْكَ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ فِي الْمَحِلِّ دُونَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْوَضْعِيَّةِ فَبِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْبُيُوعُ فِي الْمَغْصُوبِ لِعَدَمِ الثَّمَنِ وَيَسْتَقِيمُ بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِي بِعِوَضٍ لَا مِثْلَ لَهُ وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ كَانَ أَثْلَاثًا بَيْنَهُمَا، فَكَذَا الثَّانِي يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ الْمِلْكَ فِي قِسْمَةِ الثَّمَنِ دُونَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا وَوَضِيعَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَقَدْ نَصَّا عَلَى بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِي نَصِيبِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُسَاوَمَةِ، الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ.
لَمَّا ذَكَرَ اشْتِرَاطَ الْمُسَاوَاةِ فِي رَأْسِ مَالِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ أَيِّ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ، فَقَالَ: (لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ) أَيْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ (إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) يَعْنِي لَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا ذُكِرَ فِيهَا الْمَالُ إلَّا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ وَالْعِنَانَ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ فَيَصِحُّ قَوْلُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute