للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ)

وَضَاقَ صَدْرُهُ بِهِ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَأَيْضًا أَمْرًا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي بِهِمْ الْحُقُوقَ، وَهَذَا التَّلْقِينُ إعَانَةٌ وَإِكْرَامٌ حَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْقُصُورُ. وَقَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَشْخَاصِ هُوَ إرْسَالُ شَخْصٍ لِيَأْتِيَ بِخَصْمِهِ، يُقَالُ شَخَصَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ إذَا ذَهَبَ مِنْ حَدٍّ مَنَعَ. قِيلَ وَتَأْخِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَسْمِيَتُهُ بِالِاسْتِحْسَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَحْسَنَهُ مَعْنَاهُ لَهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْسَانِ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَقَدْ لَا يَلْزَمُ وَيَكْفِي كَوْنُهُ آخِرُ دَلِيلٍ فِي ذَلِكَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ بَلْ يُفَوِّضُ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ يَتَّخِذُ وَكِيلًا لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُ الْقَاضِي تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَابَاةِ، وَشَرَطَ شُرَيْحٌ عَلَى عُمَرَ حِينَ وَلَّاهُ أَنْ لَا أَبِيعَ وَلَا أَشْتَرِيَ وَلَا أَرْتَشِيَ، وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِ الْمَالِكِيَّةِ، يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْ طَلَبِ الْعَوَارِيّ مِنْ الْمَاعُونِ وَالدَّابَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَيَنْبَغِي لِلْخُصُومِ إذَا وَصَلَّوْا أَنْ لَا يُسَلِّمُوا عَلَى الْقَاضِي، فَإِذَا سَلَّمُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي رَدُّ سَلَامِهِمْ، فَإِنْ رَدَّ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَيَخْرُجُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ)

أَحْكَامُ الْقَضَاءِ كَثِيرَةٌ فَذَكَرَ مِنْهَا مَا ذَكَرَ، وَمِنْهَا الْحَبْسُ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ فَأَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَتِهِ. وَالْحَبْسُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾ وَبِالسُّنَّةِ عَلَى مَا سَلَفَ «أَنَّهُ حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ». وَذَكَرَ الْخَصَّافُ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ اقْتَتَلُوا فَقَتَلُوا بَيْنَهُمْ قَتِيلًا، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ حَبَسَهُمْ» وَلَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ وَأَبِي بَكْرٍ سِجْنٌ، إنَّمَا كَانَ يَحْبِسُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الدِّهْلِيزِ حَتَّى اشْتَرَى عُمَرُ دَارًا بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاِتَّخَذَهُ مَحْبِسًا.

وَقِيلَ بَلْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ أَيْضًا إلَى زَمَنِ عَلِيٍّ فَبَنَاهُ، وَهُوَ أَوَّلُ سِجْنٍ بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>