(فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ)
(وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ هُمَا سُنَّتَانِ فِيهِ لِقَوْلِهِ
«مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَقَالَ سَمِعَ مِنْهُ ﷺ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُضَعَّفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَدِيثِ بُسْرَةَ بَاطِنًا أَنَّ أَمْرَ النَّوَاقِضِ مِمَّا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَيْهِ
، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ النَّقْضَ مِنْهُ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ كَعُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ، عَلَى أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ نَظَرًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ الْجَمْعِ جُعِلَ مَسُّ الذَّكَرِ كِنَايَةً عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْبَلَاغَةِ يَسْكُتُونَ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَيَرْمِزُونَ عَلَيْهِ بِذَكَرِ مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ، فَلَمَّا كَانَ مَسُّ الذَّكَرِ غَالِبًا يُرَادِفُ خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَيُلَازِمُهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا عَبَّرَ تَعَالَى بِالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عَمَّا يَقْصِدُ الْغَائِطَ لِأَجْلِهِ وَيَحِلُّ فِيهِ، فَيَتَطَابَقُ طَرِيقَا الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي التَّعْبِيرِ فَيُصَارُ إلَى هَذَا الدَّفْعِ التَّعَارُضُ.
(قَوْلُهُ الْمَضْمَضَةُ إلَخْ) وَلَوْ شَرِبَ الْمَاءَ عَبًّا أَجْزَأَ عَنْهَا لَا مَصًّا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا إلَّا أَنْ يَمُجَّهُ، وَلَوْ كَانَ سِنُّهُ مُجَوَّفًا أَوْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ أَوْ دَرَنٌ رَطْبٌ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْمَاءَ لَطِيفٌ يَصِلُ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ غَالِبًا، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ قَالَ: ذَكَرَ الصَّدْرَ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا كَانَ فِي أَسْنَانِهِ كُوَّاتٌ يَبْقَى فِيهَا الطَّعَامُ لَا يُجْزِئُهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَيُجْرِي الْمَاءَ عَلَيْهَا.
وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَالْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ خِلَافُ هَذَا، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْعَلَ انْتَهَى. وَالدَّرَنُ الْيَابِسُ فِي الْأَنْفِ كَالْخُبْزِ الْمَمْضُوغِ وَالْعَجِينِ يَمْنَعُ، وَلَا يَضُرُّ مَا انْتَضَحَ مِنْ غَسْلِهِ فِي إنَائِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِرَ كُلُّهُ فِي الْإِنَاءِ. وَيَجُوزُ نَقْلُ الْبِلَّةِ فِي الْغُسْلِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ إذَا كَانَ يَتَقَاطَرُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ إذَا تَمَضْمَضَ وَيُعَاوِدَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، قَالَ فِي الْمُبْتَغَى: إلَّا إذَا احْتَلَمَ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِ أَهْلَهُ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ (قَوْلُهُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) فَيَجِبُ تَحْرِيكُ الْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ الضَّيِّقَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute