(بَابُ الْجَنَائِزِ)
(وَإِذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ وُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَارُ فِي بِلَادِنَا الِاسْتِلْقَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ (وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ ﷺ:
صَلَاةُ الْجِنَازَةِ صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مُطْلَقَةٌ، ثُمَّ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَارِضٍ هُوَ آخِرُ مَا يَعْرِضُ لِلْحَيِّ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَقِلُّ بِمُنَاسَبَةِ تَأْخِيرِهَا عَنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا. وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا صِفَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ، وَرُكْنٌ وَسُنَنٌ وَآدَابٌ. أَمَّا صِفَتُهَا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ. وَسَبَبُهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهَا وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّهِ. وَرُكْنُهَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمَا هُوَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَتَزِيدُ هَذِهِ بِأُمُورٍ سَنَذْكُرُهَا. وَسُنَنُهَا كَوْنُهُ مُكَفَّنًا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ بِثِيَابِهِ فِي الشَّهِيدِ، وَكَوْنُ هَذَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَسَاهُلًا، وَآدَابُهَا كَغَيْرِهَا، وَالْجِنَازَةُ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ.
وَالْمُحْتَضَرُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ، وُصِفَ بِهِ لِحُضُورِ مَوْتِهِ أَوْ مَلَائِكَةِ الْمَوْتِ، وَعَلَامَاتُ الِاحْتِضَارِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا يَنْتَصِبَانِ، وَيَتَعَوَّجُ أَنْفُهُ وَتَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ، وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ خُصْيَيْهِ؛ لِانْشِمَارِ الْخُصْيَتَيْنِ بِالْمَوْتِ. وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَيْسَرُ) لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَجْهٌ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا نَقْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَيْسَرِ مِنْهُمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَيْسَرُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ، وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ، ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ) أَمَّا تَوْجِيهُهُ «؛ فَلِأَنَّهُ ﵇ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَقَالُوا تُوُفِّيَ وَأَوْصَى بِثُلُثِهِ لَكَ، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ، فَقَالَ ﵇ أَصَابَ الْفِطْرَةَ، وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ.
وَأَمَّا أَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَقِيلَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِحَدِيثِ النَّوْمِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْهُ ﵊ قَالَ «إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي سَلَّمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ مِتَّ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِبْلَةِ، وَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلْمَى قَالَتْ اشْتَكَتْ فَاطِمَةُ ﵂ شَكَوَاهَا الَّتِي قُبِضَتْ فِيهَا فَكُنْتُ أُمَرِّضُهَا، فَأَصْبَحَتْ يَوْمًا كَأَمْثَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute