للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ (فَإِذَا مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، ثُمَّ فِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ.

مَا رَأَيْتهَا، وَخَرَجَ عَلِيٌّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَتْ: يَا أُمَّهْ أَعْطِنِي ثِيَابِي الْجُدُدَ، فَأَعْطَيْتهَا فَلَبِسَتْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ قَدِّمِي لِي فِرَاشِي وَسَطَ الْبَيْتِ، فَفَعَلْت وَاضْطَجَعَتْ فَاسْتَقْبَلَتْ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ إنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ وَقَدْ تَطَهَّرْتُ فَلَا يَكْشِفْنِي أَحَدٌ، فَقُبِضَتْ مَكَانَهَا فَضَعِيفٌ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ شَاهِينَ فِي بَابِ الْمُحْتَضَرِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ لَهُ غَيْرَ أَثَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ " يَسْتَقْبِلُ الْمَيِّتُ الْقِبْلَةَ " وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوُهُ بِزِيَادَةِ " عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا تَرَكَهُ مِنْ مَيِّتٍ "، وَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ وَمِنْ اضْطِجَاعِهِ فِي مَرَضِهِ.

وَالسُّنَّةُ فِيهِمَا ذَلِكَ فَكَذَا فِيمَا قَرُبَ مِنْهُمَا. وَحَدِيثُ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ الْخُدْرِيِّ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ نَحْوَهُ سَوَاءً (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ) مِثْلُ لَفْظِ الْقَتِيلِ فِي قَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ».

وَأَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ يُفْعَلُ لِحَقِيقَةِ مَا رَوَيْنَا، وَنُسِبَ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَخِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ. وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ يَا ابْنَ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ.

وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَاتَ مُسْلِمًا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ يُمْكِنُ جَعْلُهُ الصَّارِفَ: يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّذْكِيرُ فِي وَقْتِ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ وَهَذَا لَا يُفِيدُ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَقَدْ يَخْتَارُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ وَالِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ فِي حَقِّ التَّذْكِيرِ لِتَثْبِيتِ الْجَنَانِ لِلسُّؤَالِ فَنَفْيُ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ. نَعَمْ الْفَائِدَةُ الْأَصْلِيَّةُ مُنْتَفِيَةٌ. وَعِنْدِي أَنَّ مَبْنَى ارْتِكَابِ هَذَا الْمَجَازِ هُنَا عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا هُوَ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْمَعُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالضَّرْبِ. لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ مَيِّتًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَا يُفْهَمُ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ السَّمَاعِ. وَأَوْرَدَ قَوْلَهُ فِي أَهْلِ الْقَلِيبِ أَقُولُ مِنْهُمْ وَأَجَابُوا تَارَةً بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ مِنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَيْفَ يَقُولُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ وَتَارَةً بِأَنَّ تِلْكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ مُعْجِزَةٌ وَزِيَادَةُ حَسْرَةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَتَارَةً بِأَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْمِثْلِ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ .

وَيَشْكُلُ عَلَيْهِمْ مَا فِي مُسْلِمٍ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ مُقَدِّمَةً لِلسُّؤَالِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ تَحْقِيقَ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ الْكُفَّارَ بِالْمَوْتَى لِإِفَادَةِ تَعَذُّرِ سَمَاعِهِمْ وَهُوَ فَرْعُ عَدَمِ سَمَاعِ الْمَوْتَى، إلَّا أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَ إرْجَاعِ الرُّوحِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَفْظُ مَوْتَاكُمْ فِي حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْآنَ حَيٌّ، إذْ لَيْسَ مَعْنَى الْحَيِّ إلَّا مَنْ فِي بَدَنِهِ الرُّوحُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>