للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

(وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً)

بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

قُدِّمَ أَنَّ الْحَدَّ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَقُدِّمَ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّ وُجُودَ مَا ثَبَتَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ أَنْدَرُ نَادِرٍ لِضِيقِ شُرُوطِهِ الْمُقْتَضِي لِإِعْدَامِهِ، وَهُوَ أَنْ يُرَى ذَكَرُ الرَّجُلِ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ. وَأَيْضًا لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ الزِّنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُحَدُّوا إلَّا بِالْإِقْرَارِ، فَقُدِّمَ مَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ، وَمَا كَانَ الثُّبُوتُ بِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً) فَقَوْلُهُ مُتَقَادِمٌ إسْنَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى ضَمِيرِ السَّبَبِ: أَيْ مُتَقَادِمٌ سَبَبُهُ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَقَوْلُهُ شَهِدُوا بِحَدٍّ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ بِسَبَبِ الْحَدِّ، وَالتَّقَادُمُ صِفَةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ إلَخْ جُمْلَةٌ فِي مَحَلِّ جَرٍّ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ وَهِيَ حَدٌّ، وَالْفَاعِلُ بَعْدَهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُعْدُ عُذْرًا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ وَلَوْ مِنْ بُعْدِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْمُسَارَعَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى زِيَادَاتٍ مُفِيدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ) ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَقَرَّ هُوَ بَعْدَ حِينٍ بِذَلِكَ أُخِذَ بِهِ إلَّا الشُّرْبَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا، وَلَا يَخْفَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>