قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهَا إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِصَاصُ وَالْأَمْوَالُ مِنْهَا.
وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ قَالُوا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مِلْكُ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ بَعْضَ الْقِيمَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بِإِزَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ الَّتِي يَجِبُ الْحَدُّ لِأَجْلِهَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يُحَدَّ، وَإِلَّا وَجَبَ ضَمَانَانِ بِإِزَاءِ مَضْمُونٍ وَاحِدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوضَعْ الْفِعْلُ لِلْقَتْلِ كَانَ أَوَّلُهُ كَجِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ ثُمَّ حَدَثَ الْقَتْلُ فَكَانَ الضَّمَانُ كُلُّهُ بِإِزَائِهِ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. أَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ. وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانَ: لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ
(قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ) مِمَّا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ (لَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا الْقِصَاصُ وَالْمَالُ) فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهِ وَتَعَذَّرَ إقَامَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ إقَامَتَهُ بِطَرِيقِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، وَلَا يَفْعَلُ أَحَدٌ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ. وَفَائِدَةُ الْإِيجَابِ الِاسْتِيفَاءُ. فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَجِبْ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ لِأَنَّ حَقَّ اسْتِيفَائِهَا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَنَعَةِ فَالْمُسْلِمُونَ مَنَعَتُهُ فَيُقَدَّرُ بِهِمْ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ الْوُجُوبُ مُفِيدًا، وَالْمُغَلَّبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ فَكَانَ كَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لِتَمْكِينِ الْوَلِيِّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ الْحُكْمَ فِيهِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا صَحَّتْ هَذِهِ الِاسْتِنَابَةُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ اسْتَوْفَاهُ الْعَبْدُ، أَوْ حَقٌّ لِلَّهِ اسْتَوْفَاهُ ذَلِكَ النَّائِبُ. وَقِيلَ لَا مُخَلِّصَ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا﴾ يُفْهِمُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهِ بِالْجَلْدِ الْإِمَامُ أَنْ يَجْلِدَ غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ أَيْنَ دَلِيلُ إيجَابِ الِاسْتِنَابَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute