وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاعْتِرَاضُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَهُ، كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ فَإِنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا فِي هِبَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.
الْمِلْكُ الْمُسَبَّبُ عَنْ الضَّمَانِ مِلْكَ تِلْكَ الْمَنَافِعِ لِيَسْقُطَ الْحَدُّ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ شَرْطَ إقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ الْخُصُومَةُ وَبِالْهِبَةِ انْقَطَعَتْ، بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَبَطَلَ الْقِيَاسُ، وَمَآلُ هَذَا التَّقْرِيرِ إلَى أَنَّ الثَّابِتَ بِهَذَا الضَّمَانِ شُبْهَةُ شُبْهَةِ مِلْكِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ شُبْهَةُ مِلْكِ الْعَيْنِ لَا حَقِيقَتُهُ، وَبِحَقِيقَتِهِ تَثْبُتُ شُبْهَةُ مِلْكِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ شُبْهَةَ مِلْكِ الْعَيْنِ فَهُوَ شُبْهَةُ شُبْهَةِ مِلْكِ الْمَنَافِعِ وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ.
وَحَاصِلُ التَّقْرِيرِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَثْبَتَ شُبْهَةَ مِلْكِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ وَنَحْنُ نَفَيْنَاهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُثْبِتُ بِالضَّمَانِ حَقِيقَةَ مِلْكِ الْمَنَافِعِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ يَظْهَرُ مَا فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنَزُّلِ مِنْ التَّسَاهُلِ. وَبِالْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَتَّضِحُ حُسْنُ اتِّصَالِ قَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَّةَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً) أَيْ فِي مِلْكِ الْمَنَافِعِ تَبَعًا فَيَنْدَرِئُ عَنْهَا الْحَدُّ، أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَيْنُ فَائِتَةٌ بِالْقَتْلِ فَلَا تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا التَّمْلِيكُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَلَا يَضُرُّهُ انْتِفَاءُ الْمَمْلُوكِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُسْتَنَدُ يُثْبَتُ أَوَّلًا ثُمَّ يُسْتَنَدُ، فَاسْتَدْعَى ثُبُوتَ الْمَحَلِّ حَالَ الْأَوَّلِيَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَثَمَرَتُهُ أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمَنَافِعِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ وَلَوْ تَمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute