للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَهُ قَائِمٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا رُوِيَ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْرِضْ لِي رَسُولُ اللَّهِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِانْعِدَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ الْآيَةَ. وَلَنَا أَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ احْتِبَاسٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالِاحْتِبَاسُ قَائِمٌ فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْوَلَدُ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ

قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ) وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةُ إذْ لَا بَيْنُونَةَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا) فَإِنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدَهُ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَوَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ سَبِيلٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَنَكَحَتْهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ».

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ «لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى» وَرَوَاهُ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ «إنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ تَطْلِيقِهَا» وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً هِيَ تَمَامُ الثَّلَاثِ، وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ فَسَخِطَتْهَا فَقَالَا: وَاَللَّهِ لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ فَذَكَرَتْ لَهُ، قَوْلَهُمَا فَقَالَ: «لَا نَفَقَةَ لَكِ» زَادَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ عَقِيبَ قَوْلِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «وَلَا نَفَقَةَ لَكِ: إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا عَلِمْت.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>