فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَدَّهُ عُمَرُ ﵁، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَرَدَّهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ ﵃.
(وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّ التَّرَبُّصَ عِبَادَةٌ مِنْهَا.
طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ» الْحَدِيثَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَدَمُ طَعْنِ السَّلَفِ فِيهِ وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ وَعَدَمُ مُعَارِضٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَالْمُتَحَقَّقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدُّ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، أَمَّا طَعْنُ السَّلَفِ فَقَدْ طَعَنَ عَلَيْهَا فِيهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ سَنَذْكُرُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِمْ الطَّعْنُ بِسَبَبِ كَوْنِ الرَّاوِي امْرَأَةً وَلَا كَوْنِ الرَّاوِي أَعْرَابِيًّا، فَقَدْ قَبِلُوا حَدِيثَ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي اعْتِدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا فِي هَذَا الْخَبَرِ، بِخِلَافِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ وَبِخَبَرِ الدَّجَّالِ حَفِظَتْهُ مَعَ طُولِهِ وَوَعَتْهُ وَأَدَّتْهُ، ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ لَهَا مِنْ الْفِقْهِ مَا أَفَادَ عِلْمًا وَجَلَالَةَ قَدْرٍ؛ وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إلَيْهَا قَبِيصَةَ بْنَ أَبِي ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنْ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَتْهُ بِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا مِنْ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾. إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ قَالَتْ: هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟ " وَقَبِلَ عُمَرُ خَبَرَ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ وَحْدَهُ وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ، فَجَزَمْنَا أَنَّ رَدَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ لِخَبَرِهَا لَيْسَ إلَّا لِمَا عَلِمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُخَالِفًا لَهُ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ﷺ بَيْنَ السَّلَفِ إلَى أَنْ رَوَتْ فَاطِمَةُ ﵂ هَذَا الْخَبَرَ مَعَ أَنَّ عُمَرَ رَدَّهُ، وَصَرَّحَ بِالرِّوَايَةِ، بِخِلَافِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْت مَعَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute