للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نَفَقَةً، فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًا فَحَصَبَهُ بِهِ وَقَالَ: وَيْلَكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾» فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى. وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا رَفْعٌ فَكَيْفَ إذَا كَانَ قَائِلُهُ عُمَرَ .

وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» وَقُصَارَى مَا هُنَا أَنْ تُعَارَضَ رِوَايَتُهَا بِرِوَايَتِهِ، فَأَيُّ الرِّوَايَتَيْنِ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا؟ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ قَالَ " مَا كُنَّا نُغَيِّرُ فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ " فَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الدِّينُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَيَنْزِلُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الشَّاذِّ. وَالثِّقَةُ إذَا شَذَّ لَا يُقْبَلُ مَا شَذَّ فِيهِ، وَيُصَرِّحُ بِهَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ مَرْوَانَ: سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، وَالنَّاسُ إذْ ذَاكَ هُمْ الصَّحَابَةُ، فَهَذَا فِي الْمَعْنَى حِكَايَةُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَوَصَفَهُ بِالْعِصْمَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْ إلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَلْبَتَّةَ، فَخَرَجَتْ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعْت، فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي إلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ فَقَالَتْ: أَمَا إنَّهُ لَا خَيْرَ لَهَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ. فَهَذَا غَايَةُ الْإِنْكَارِ حَيْثُ نَفَتْ الْخَبَرَ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ: أَعْلَمَ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ فَقَدْ كُنَّ يَأْتِينَ إلَى مَنْزِلِهَا وَيَسْتَفْتِينَ مِنْهُ وَكَثُرَ وَتَكَرَّرَ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى: تَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ أَحْسِبُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إنَّمَا أَخْرَجَك هَذَا اللِّسَانُ: يَعْنِي أَنَّهَا اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا وَكَثُرَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ فَأَخْرَجَهَا لِذَلِكَ. وَيُفِيدُ ثُبُوتُهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَدْ احْتَجَّ بِهِ وَهُوَ مَعَاصِرُ عَائِشَةَ، وَأَعْظَمُ مُتَتَبِّعٍ لِأَقْوَالِ مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ حِفْظًا وَدِرَاسَةً، وَلَوْلَا أَنَّهُ عَلِمَهُ عَنْهَا مَا قَالَهُ، وَذَلِكَ مَا فِي أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَدَفَعْت إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقُلْت: فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ طَلُقَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ لِسَنَةٍ فَوَضَعَتْ عَلَى يَدِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَنْصِبِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسُبَ إلَى صَحَابِيَّةٍ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَكَذَا هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُسْتَنَدُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَيْثُ قَالَ: خُرُوجُ فَاطِمَةَ إنَّمَا كَانَ عَنْ سُوءِ الْخُلُقِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْهُ. وَمِمَّنْ رَدَّهُ زَوْجُهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ .

رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ أَبِي هُرْمُزَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَقُولُ: كَانَ أُسَامَةُ إذَا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: يَعْنِي مِنْ انْتِقَالِهَا فِي عِدَّتِهَا رَمَاهَا بِمَا فِي يَدِهِ انْتَهَى. هَذَا مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَكَانَ أَعْرَفَ بِالْمَكَانِ الَّذِي نَقَلَهَا عَنْهُ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى بَنَى بِهَا، فَهَذَا لَمْ يَكُنْ قَطْعًا إلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهَا، أَوْ لِعِلْمِهِ بِخُصُوصِ سَبَبِ جَوَازِ انْتِقَالِهَا مِنْ اللَّسَنِ أَوْ خِيفَةَ الْمَكَانِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَمْ يَظْفَرْ الْمُخَرِّجُ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ فَاسْتَغْرَبَهُ وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ.

وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>